جودة العنصر البشري تبدأ من التعليم

جودة العنصر البشري تبدأ من التعليم

“فلسفة مختلفة”

التعليم … جودة الفكر أم فكر الجودة ؟

دكتور

عبدالرحيم محمد

عندما وصل الإتحاد السوفيتي السابق إلى سطح القمر عام 1956 اهتزت أمريكا وعاشت في رعب نتيجة التفوق الروسي وصعوده إلى القمر بينما هم ما زالوا نائمين على الأرض، اجتمع الكونجرس ليدرس الوضع المستقبلي وما هى الآليات التي تمكنه أيضا من الوصول إلى القمر ، وقد جاء التقرير بتوصية رئيسية وهي ، ضرورة تطوير التعليم. وفي عام 1985 عندما غزت السيارة هوندا الأسواق الأمريكية وأوقفت وتوقفت المصانع الأمريكية، شعرت أمريكا بالخطر وجاء تقرير الاجتماع الذي عقده الكونجرس بعد عدة شهور بعنوان “امة في خطر” ركز على توصية واحد وهي ضرورة تطوير التعليم. فالتعليم هو الطريق إلى المستقبل التعليم هو المعرفة ، ونحن في عصر المعرفة ، ومن يملكها يستطيع أن يملك كل شيء، فلن نكون أقوياء بدون التعليم، ولن نستطيع أن نحقق شيئا من غير التعليم، ولو رجعنا إلى تاريخ الأمم ونهضتها وحضارتها نجد أن الأساس فيها هو التعليم.

ويحكي التاريخ المعاصر الكثير من الأمثلة التي كان للتعليم فيها دورا بارز في نهوض دولا كثيرة على سبيل المثال اليابان وألمانيا في الحرب العالمية الثانية دمرت بنيتها الأساسية بالكامل. و لكن وفي أقل من نصف قرن عادت وأصبحت في مقدمة الدول.

وقد حثنا الإسلام على الجودة والإتقان ، وأمرنا بذلك، وكثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية تعرضت لمفهوم الجودة، وأكدت عليه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” وبذلك فالإتقان يحقق الجودة. وهذا ما نحتاجه في العملية التعليمية.

التعليم هو الذي يستثمر طاقة الإنسان؟

الإنسان عبارة عن طاقة بشرية، ليس لها حدود، والكن المهم هو كيف يمكن الاستفادة من هذه الطاقة، كيف يمكن استغلالها الاستغلال الصحيح الذي يحقق عائد أفضل ، ويشير البعض في إحدى الكتابات التي تهتم بالتفكير الإبداعي والاستفادة من طاقة العقل، إلى مثال بسيط يوضح كيف تتحقق القيمة من التفكير ، فقال لو أن هناك قطعة من حديد تساوي 100 ريال لو صنع منها حدوات للحصان فيتضاعف ثمنها من 200 ريال إلي 250 ريال واذا صنعنا منها إبرا للخياطة فيتضاعف ثمنها إلي 600 ريال واذا صنعنا منها بعض أجزاء الساعات ارتفعت قيمتها إلي حوالي 5000000 (خمسة ملايين) ريال فالفارق بين 100 دولار و 5 ملايين دولار هو استخدام طاقة الإبداع والابتكار التي أودعها الله لدي الانسان. وهنا يأتي دور التعليم في تنمية قدرات الناس وتوسيع مداركهم بما يحقق الأهداف.

الجودة هى فن توصيل المعلومة :

تروي الكاتبة كاترين باترسون – ولدت في الصين عام 1932، واهتمت بعالم الطفولة وكتب الأطفال التي ترجمت إلى لغات عديدة، أنها قابلت طفلاً فسألها: كيف أقرأ كل كتب العالم؟

وعندما بحثت عن السبب الذي جعل هذا الطفل يسألها هذا السؤال، وجدت أن معلمة هذا الطفل تقدم له القصص بطريقة مشوقة جدًا، ما جعله يحب القراءة، وهو في سنواته الأولى من عمره، ويريد أن يقرأ كل كتب العالم. السؤال هنا هل نحن او أطفالنا يسألون هذا السؤال، اعتقد لا، إذا هناك شيء ما خطأ ويحتاج إلى تدخل للتصحيح.

البعد عن الانطباعات السيئة يحقق جودة التعليم:

كان هناك طالبا يعتاد أن يذهب إلى المحاضرات وينام طوال المحاضرة ، فحضوره لمجرد الحضور فقط ، حتى لا يحرم من دخول الامتحان ، وكعادته جاء وجلس فص الصف الخير ودخل في نوم عميق، وانتهت المحاضرة وفجأة نظر حوله وجد نفسه يجلس منفردا داخل القاعه، وقعت عيناه على مسألتين على السبورة، قام بتدوينها بسرعة كبيرة في دفتره وظل لمدة أسبوع يتردد على المكتبات لحل المسألتين لأنه إعتقد أنهما الواجب الذي طلبه الأستاذ من الطلبة، خلال جولته والبحث في المكتبات عن حل لهذه المسألتين استطاع أن يحل مسألة واحدة. وجاء الأسبوع التالي وبعد انتهاء المحاضرة ، تحدث مع الأستاذ وقال له ، أنا حليت الواجب الذي كلفتنا به الأسبوع الماضي، رد الأستاذ أنا لم أكلفكم بأى واجب، قال الطالب ولكن حضرتك كتبت مسألتين على السبورة، وأنا استطعت أن أحل إحداهما أما الأخرى فلم أستطيع حلها، هنا ذهل الأستاذ وراجع إجابة الطالب ووجدها صحيحة، وقال له هاتين المسألتين أنا كتبتهما كمثال على الأشياء التي عجز العلم عن التوصل لحل حلها، ولكن عظيم لقد استطعت أن تحل إحداها.

الفلسفة في هذه القصة أن هذا الطالب لو كان مستيقظا وسمع الأستاذ يقول أن العلم لم يجد حلا لها ما فكر في حل لها . وهذه مشكلة توجهنا في حياتنا كثيرا فالانطباعات التي يزرعها الآخرون فينا تعرقلنا وتمنعنا عن الإبداع والابتكار في تقديم حلول لكثير من المشاكل، وهذه من أهم معوقات الإبداع التي تواجه مجتمعنا، فعلينا أن نترك الانطباعات السيئة والبرمجة السلبية بعيدا حتى نستطيع أن نصل إلى أفكار جديدة ، هكذا يجب أن تتغير سياساتنا في التعلم وتوصيل المعلومة وطريقة التعليم بحيث نركز على ثقافة التذكر لا ثقافة التلقين .

الجودة هي التحول من ثقافة التلقين إلى ثقافة التذكر:

المشكلة الكبيرة التي تواجهنا في حياتنا جميعا، وتواجه أبنائنا على وجه الخصوص هى طريقة توصيل المعلومة، كما أن طريقة الاختبارات التي نعتمد عليها تميل كثيرا جدا إلى الحفظ والتلقين، وبالتالي يتحول الطالب من مفكر إلى وعاء لحفظ المعلومات، هذا الوعاء له تاريخ صلاحية مثل اى منتج نستخدمه، هكذا التاريخ ينتهي بنهاية الامتحان ، فالتعليم الذي يعتمد على التلقين هو كذلك، هذا النوع من التعليم لا يحقق أهداف المجتمع، و لا يحقق النهضة والتقدم، ولا يحقق التنمية الإنسانية، و ينتهي تماما مفهوم رأس المال الفكري الذي هو الآن رأس المال الحقيقي الذي على أساسة تقيم المؤسسات، وعلى أساسة يتم تصنيفها دوليا، هنا يجب أن تتغير هذه الثقافة القائمة على التلقين والحفظ، وان نستبدلها بثقافة تذكر المعلومة، انطلاقا من الخيال أهم من المعرفة ، فلابد من تنمية الخيال لدى المدرس ولعند الطالب، لأن الخيال متجدد دائما أما المعرفة والمعلومات فهي متقادمة وتحتاج إلى تحديث. لا يمكن أن يكون هناك ابتكار إلا إذا كان هناك خيال ، ولا يمكن أن يكون هناك خيال إلا إذا كان هناك أفراد يمتلكون قدرات على التخيل وهذا لن يتحقق إلا إذا كان هناك منظومة تعليمية تقوم على أسس علمية تركز على أساليب غير تقليدية.

فرق العمل وجودة الأفكار

هناك حكمة تقول نصف عقلك عن أخيك، وهذه حقيقة لأنك إذا أخذت المعلومة من فرد غير من أن تأخذها من الآخرين ، فمن شخص واحد هى فكرة واحدة، أما من عدة أشخاص فهي عدة أفكار، لأن كل نظر إليها من زاويته ، وبالتالي التعليم من خلال فرق العمل يحقق جودة الأفكار وهى أفضل من تعلم الاتجاه الواحد والمقصود به ان يكون المتعلم فقط متلقي، وبالتالي يكون الشخص الذي يحصل على المعلومة متلقي سلبي يأخذ المعلومة دون مناقشة، كما أن عدم استخدام فرق العمل ثؤثر على مهارات الإبداع، لأن حصول المعلومة من المدرس فقط دون مشاركة أو بذل مجهود يجعل جانب واحد فقد في المخ هو الذي يعمل وهو الجانب الأيسر ، أما المشاركة الجماعية من المدرس للطلاب أو جعل الطلاب يشاركون في الموضوع من خلال مناقشة الفكرة فيما بينهم تساعد على تنشيط الجانب الأيمن المسئول عن التخيل والابتكار، لأنك هنا تجعله يركز بشكل كبير بذل مجهود للوصول إلى حلول ، فهذا أفضل بدلا من أن تقدم له المعلومة جاهزة،

هل كل الناس أذكياء ومبدعين؟:

سؤال يتردد كثيرا وتختلف حوله الآراء ، هل كل الناس مبدعين؟ تشير الدراسات إلى أن هناك نسبة من الناس أذكياء و مبدعين بالفطرة، ونسبة منهم على العكس تماما ، هذه النسبة تتراوح ما بين 1% – 2%، بينما 96% – 98% من الناس يمكن تحسين وتطوير مستوى الإبداع لديهم ويمكن تعليهم المهارات والقدرة على الإبداع ، فالجميع لديهم المقومات التي تمكنهم على الإبداع ، صحيح أن هذه القدرات موجودة عند الناس بنسب مختلفة فهى تتراوح ما بين عالية ومتوسطة وضعيفة ، ولكن في النهاية هى موجودة، و يجب أن نعلم أن مفهوم الإبداع ، لا يقصد بها فقط الاختراعات والتي تغير الكون وتغير مجري الحياة، هذا شكل من أشكال الإبداع، ولكن الإبداع وكما تعرفه الكتابات هو النظر للشيء بطريقة غير مألوفة ، أو التعامل مع الأشياء بطريقة غير التي اعتاد عليها الناس، فمن الممكن أن يكون موظف مبدع في عمله من خلال تأديه عمله بطرق غير تقليدية، ومدرس مبدع في مادته من خلال طريقة تدريسه للمادة بطريقة تسهل وصول المعلومة للدارسين ، وعامل في مصنع يقدم أفكار من الممكن أن تحسن الإنتاج، فالإبداع له صور كثيرة ، فهو كل ما من شأنه أن يحسن جودة الحياة.

والأمثلة على صور وأشكال الإبداع ما كان يفعله اندرو كارينجي وهو من رجل أعمال أمريكي كان يعمل في مجال الحديد والصلب ، حيث قام بتعيين شخص يسمي تشارلز شواب مقابل راتب سنوي مليون دولار، كان يدفع هذا المبلغ ليس لأن هذا الشخص كان عبقريا ، ولا لأنه يعرف عن تصنيع الحديد ما لا يعرفه غيره من موظفي الشركة، ولكن هذا الشخص كان مبدعا في التعامل مع الناس، لديهم قدرة كبيرة على قيادتهم وتوجيههم وإثارة حماسهم للعمل، وكارينجي نفسه مبدعا، حيث تمثل إبداعه في حسن اختيار الذين يعملون معه، ولذلك أوصي عند وفاته ان يكتب على قبره هذه العبارة “هنا يرقد شخص عرف كيف يجمع حوله رجالا كانوا أذكى منه” وهذا شكل من أشكال الإبداع. تذكر أن الإبداع ليس شيئا خارقا ولكن شيئا مختلف يحقق نتائج إيجابية.

الدول الغنية تصرف على العلم لأنها ليست غنية ولكنها تصرف لتكون غنية

هناك إهتمام كبير على المستوى العالمي بالعملية التعليمية والبحث العلمي وتخصص الكثير من الدول مبالغ كبيرة من موازنتها سنويا لدعم وتطوير البحث العلمي، لأنها تؤمن بانه الركيزة الأساسية للنهوض والتطور في المستقبل، وهذه الدول تنفق على البحث العلمي وعلى تطوير التعليم ليس لأنها دولا غنية لديها موارد قوية ولهذا فهى تنفق، ولكن الأمر له وجه آخر فهي تنفق لأنها تريد أن تكون غنية ، وهذه حقيقة هناك الكثير من الدول حققت نهضة كبيرة وقفزة جبارة لأنها اهتمت بالبحث العلمي، هذه الدول هى تصدر للعالم أفكار. فهى لا تمتلك مواد خام أو مصادر طبيعية ولكنها تعمل دائما على تطوير البحث العلمي، لأنه يوفر لها بدائل الموارد الطبيعة وبدائل الطاقة وغيرها من احتياجاتها التي تمكنها من المنافسة .

هؤلاء من المبدعين:

  • والت ديزني صاحب أضخم واكبر وأشهر مدينة ملاهي في العالم تم فصله من عمله ، كمحرر في الجريدة ، وكان سبب الفصل افتقاره للأفكار الصحفية الجيدة ، التي تحقق صدى عند القارئ، كما انه واجه ا لكثير من الصعاب حتى يبنى هذه المدينة الشهيرة عالميا.
  • توماس إيدسون صاحب الاختراعات العظيمة وأشهرها المصباح الكهربائي ، وصفة أستاذه بأنه غبي ولا يمكن أن يحقق أى إنجاز أو تفوق وعليه أن يجد أى شىء آخر يعمل به بدلا ان يتعلم ويعذب المدرسين.
  • ألبرت أينشتاين صاحب النسبية تأخر في النطق وبدا الكلام عند الرابعة من عمره ، كان وصف معلمه بانه بطيء التعلم وان إمكاناته العقلية ضعيفة، والتحصيل لديه بطىء.
  • هنري فورد علامة بارزة من علامات صناعة السيارات في التاريخ ، قبل ان يكون ناجحا مشهورا فشل وأفلس خمس مرات ، ثم أصبح هنري فورد.
  • السياسي الشهير ورئيس وزراء بريطانيا السبق و ينستون تشرشل رسب في الصف السادس الابتدائي.

القاسم المشترك في هؤلاء هو الإصرار والعمل المستمر والرؤية الواضحة والرغبة في أن يكون لهم بصمات مؤثرة في تاريخ الإنسانية، يجب أن نحاول جميعا أن يكون لنا بصمات في هذه الحياة، يجب أن نحول الفشل إلى نجاح ، لأن عدد مرات الفشل هى التي تكون الخبرة لدينا، ليس المشكلة في الفشل ، ولكن المشكلة في ان هناك الكثير لا يستفيد من هذه التجارب الفاشلة، والدليل على ذلك الأمثلة السابق ذكرها، على الرغم من المشاكل والصعاب إلا أنهم أصروا على أن يتركوا بصمتهم، وكما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي ” الناس صنفان موتي في حياتهم ، وآخرون في بطن الأرض أحياء” .

ليس هناك ما يسمي الاكتفاء ذاتي:

مهما امتلك الإنسان من مهارات وخبرات فإن ذلك لا يحقق له كل شيء، مهما كان لديه من إمكانات سيظل في حاجة إلى الآخرين، يجب على الأقل أن يعرف رأى الآخرين فيما يقوم به، لأن المفكر أو المبدع لا يبدع لنفسه ولكنه يبدع من أجل الآخرين ، لأن مشاكل الآخرين وحاجاتهم هى الطارئة المحركة للعملية الإبداعية، فالأفكار تأتي للإنسان من عدة مصادر منها المشكلات التي تواجهه او تواجه الناس في الحياة ، وكما هو معروف الحاجة هى أم الاختراع ، وبالتالي المشكلات هى مادة للمبدع، أيضا التغيير ورفض الواقع أحد مصادر الأفكار التي تلهم المبدعين. فهناك علاقة مشتركة بين الناس في الحياة، فكل إنسان في حاجة إلى الآخر حتى يبدع ويحقق الهدف.

كيف نجعل طلابنا مبتكرين؟

يحتاج هذا السؤال إلى الكثير من التفكير ليس لصعوبته ولكن لأنه سؤال سهل وبسيط، والإجابة عنه تحتاج إلى سؤال آخر، وهو كيف نجعل الطلاب يحبون المواد الدراسية؟ المشكلة التي تواجه الكثير من الطلاب هي أن الكثير منهم ينظر إلى العملية التعليمية على انها مرهقة ومتعبة ويرجع ذلك إلى انها تحتاج الكثير من الالتزام والانضباط سواء في حضور اليوم الدراسي أو في حل الواجبات واستقطاع وقت كبير في المذاكرة، وترجع هذه الأسباب إلى أن الكثير من الطلاب يتسائل لماذا ندرس هذه المواد ؟ على سبيل المثال لماذا ندرس نظرية فيثاغورث أو قانون الطفو او غيرها من المواد العليمة والأدبية؟، نتيجة غياب الإجابة عن هذه التساؤلات تجعل الكثيرين يرون أن هذه المواد ليس لها فائدة وأنها فقط للحصول على الشهادة. من هذا المنطلق نحن في حاجة إلى أن نوضح أهمية هذه المواد الدراسية في حياتنا، ولماذا ندرس هذه المواد ، ونوضح أيضا ان هذه المواد ليست لتعذيب الطالب وحشرها في العقول وتنتهي فعاليتها بعد ا لخروج من الامتحان، لابد أن نشعر الطلاب بأهمية هذه المواد وأهميتها في الحياة العملية، لابد من الخروج من أماكن الدرس إلى الواقع العملي من خلال الزيارات الميدانية أو استخدام المواد الفيلمية التي تشرح تطبيقات هذه المواد في الواقع العملي وأهمية هذه المواد في تطوير البشرية، يجب أن لا يكون التدريس بشرح القاعدة وإعطاء الأمثلة ثم ترك الطالب ليقوم بالتطبيق، يجب أن يكون أسلوب التدريس بشكل غير مباشر وعدم التطرق للقاعدة مباشرة، ولكن تناول علاقة الموضوع بالحياة وكيف يؤثر فيها وفي تطورها واستنتاج القاعدة من الحوار الذي يدور بين الطالب والأستاذ ، هنا يشعر المتلقي بأهمية الموضوع وبالتالي يفكر فيه ويكون عقله مهيأ فكريا لقبول ما يقوله الأستاذ ومنها ينطلق نحو التفكير المبدع لأن هذه الطريقة هى تنمية التفكير الناقد الذي يساهم في الحصول على أفكار جديدة من شأنها أن تحقق إضافة للعلم. أذكر عندما كنت في المرحلة الابتدائية دخل الأستاذ الفصل وسأل ما هو أغلى شيء عند الإنسان، كلنا وبتفكير الأطفال بدأنا نتفاعل مع الأستاذ وكل منا يجاوب البعض قال الأكل والبعض قال الماء والبعض قال الهواء وتنوعت وتفاوتت الإجابات، وبعدان انتهينا من الإجابة ، قال الأستاذ أغلى شىء عند الإنسان هو الحرية، ودرس اليوم هو الحرية للمنفلوطي، هذه الموقف حاضرا في ذهني حتى الآن وسيظل ، لماذا؟ لن الطريقة التي قدم بها الأستاذ للدرس كانت طريقة رائعة هيئت المخ قبل طرح المعلومات، وبالتالي علينا تهيئة المخ لتقبل المعلومة قبل أن نقولها وبالتالي نتحول من ثقافة التلقين إلى ثقافة التذكر والقدرة على التخيل.

الخريطة الذهنية تنمية المهارات البشرية:

نتحدث عن الخرائط الذهنية من منظورين ، المنظور الأول الخرائط الذهنية التي نتلقاها من الآخرين وتسكن داخل عقولنا، على سبيل المثال لو ان شخصا زار دولة معينة وعندما عاد من هذه الدولة، وقمت بسؤاله كيف كانت رحلتك إلى هذه الدولة أو المكان الذي كنت فيه ، فقد يقول لك أن هذه البلد ليس جميلا أو أن لا يستحق الزيارة أو أنك تعرضت لمشاكل كثيرة في زيارة هذا البلد ولن تكرر زيارتك له مرة ثانية ، هنا أعطاك هذا الشخص خريطة ذهنية ذات معلومات سلبية عن هذا البلد الذي لم تزره من قبل ، أصبح لديك انطباع سيء وخريطة ذهنية سيئة عن هذا البلد، وقد يقول لك العكس وتتكون عندك صورة إيجابية عن هذا البلد وتظل كذلك إلى أن يحدث العكس سواء من أفراد آخرين أو أنت تزور البلد بنفسك وتتأكد من صدق ما قال، هكذا نتلقى يوميا العديد من الخرائط الذهنية علن الأشياء والأفراد والأماكن

المنظور الثاني هو الخرائط الذهنية التي نستخدمها في أعمالنا وحياتنا الشخصية، أدعوك لمدة دقيقة واحد أن تتأمل الأشجار، والأزهار، والأوراق، البرق الذي نشاهده وقت المطر، وشكل المخ وغيرها من الأشياء، ماذا ترى فيها؟، ما هو القاسم ا لمشترك بينها؟، الإجابة بسيطة جدا وهى أنها لا تأخذ الشكل المستقيم ولكن أشكالها متفرعة ومختلفة ، وهذا يرجع إلى أن الأصل في الطبيعة هو الحرية والخطوط المتعرجة، وهذه هى تركيبة شكل المخ، أنظر إلى شكل المخ تجده عبارة عن خطوط متعرجة وليست مستقيمة نفس الشيء في الخلايا العصبية والتي منها استوحت فكرة الخريطة الذهنية، فالخريطة الذهنية تركز على تشغيل فصا المخ الأيمن والأيسر، لأننا نركز بشكل كبير في حياتنا وأعمالنا على الجانب الأيسر الذي يركز على استخدام تلقي المعلومات وحفظها فقط، وهو ما تقوم به الآن، وأنت تقرأ هذه المقالة تريد أن تجمع أكبر قدر من المعلومات حول الموضوع الذي تقرأه ، ويحدث ذلك بالفعل ولكن بعد فترة قصيرة سوف تنسي ما قرأته ، لماذا؟ لأنك تستخدم النصف الأيسر فقط على عملية القراءة، عليك أن تعتمد على تشغيل النصف الأيمن من المخ وهو المسئول عن التخيل، وهنا أقصد حاول تتخيل الموضوع الذي تقرأه، فكر فيه توقف كل لحظة وحاول ربط هذه المعلومات بحقائق أنت تعرفها حاول أن تطبق هذه المعلومات أن تعلمها أو تريد تحقيقها، حاول أن تربط هذه المعلومات بصور وقصص وحكايات ومواقف مررت بها، كل هذه الأمور تنمي المهارات التي تمتلكها، وتساعد في تنشيط الجانب الأيمن من المخ وبالتالي زيادة القدرة على التذكر، حاول رسم المعلومات والخطط التي تنفذها والمحاضرات والكتب التي تقرأها في شكل الخريطة الذهنية، أقصد أن تحولها في شكل خطوط وصور وألوان حتى تثبت في الذاكرة، حيث تشير الدراسات أن 80% من تذكر الإنسان يعتمد على الصورة.

الدوائر الثلاث

في كتابة من جيد إلى عظيم Good To great والذي نشر في عام 2001 يشير جيم كولِنز Jim Collins والذي كان يعمل في السابق أستاذ بجامعة ستانفورد Stanford University المعروفة، وهو يدير حاليا مركزه للأبحاث الإدارية. هذا الكتاب خلاصة لبحث استمر لمدة خمس سنوات لمعرفة الأسباب التي تجعل الشركات تنتقل من المستوى الجيد إلى المستوى العظيم، يري ان هذه الشركات تحدد اتجاهها باستخدام ثلاث دوائر. كل دائرة من منها تختص بسؤال محدد. فالدائرة الأولى تختص بتحديد ما هو الشيء الذي يمكن أن نؤديه بحماس شديد؟ والدائرة الثانية تختص بتحديد ما هو الشيء الذي نستطيع أن نصل فيه إلى المرتبة الأولى عالميا؟ والدائرة الثالثة تختص بتحديد ما الذي يحرك ماكينتنا الاقتصادية؟ وتحاول هذه الشركات الوصول للشيء الذي تستطيع أداءه بحماس وشغف والشيء الذي تستطيع أن تبدع فيه والشيء الذي يحقق مكاسب اقتصادية.+

هذه الدوائر الثلاث لا يمكن تحقيها في أى مؤسسة من المؤسسات إلا إذا كانت هناك جودة في العنصر البشري وتحقيق الجودة أيضا يتطلب دوائر ثلاث، الدائرة الأولي التعليم المرتبط بسوق العمل، الدائرة الثانية المهارات والمواهب الموجودة داخل الفرد الدائرة الثالثة هى قدرة المؤسسات على تنمية مهارات الأفراد والبحث عن رأس المال الفكري في المؤسس و اكتشافه وتوظيفه التوظيف الصحيح.

الإنترنت أحيانا معوق للإبداع في العملية التعليمية:

عندما يعتاد الناس أن يقلدوا الآخرين ولا يفكروا فإن هذا يؤثر بشكل سلبي على العملية الإبداعية ، ويقتل روح الإبداع . فعندما يعتاد الطالب أن يعد بحوث و تقارير منقولة حرفيا من شبكة الإنترنت فإن قدرته على الإبداع تضعف وثقته في أنه قادر على أن يأتي بجديد تصبح غير موجودة، ويتوقف عن الإبداع لأنه توقف عن التفكير.

وبالتالي يجب أن تكون شبكة الإنترنت مصدر معلوماتي وتثقيفي وإرشادي ، فالشبكة توفر معلومات تساعد الباحثين في التعرف على الحديث والجديد ولكن علينا أن نقوم بالتحليل والإضافة حتى يمكن أن نحدث التطوير.

السؤال هل المطلوب فكر الجودة أم جودة الفكر؟

نحتاج جودة الفكر في إنتاج أفكار جديدة وحديثة وغير مألوفة تكون مرتبطة بالواقع ونابعة مما يحتويه من مشكلات ومعوقات ، وتهدف هذه الأفكار إلى وضع حلول لها، وفي نفس الوقت تقديم أفكار تهدف إلى منع حدوث مشكلات ومعوقات في المستقبل، نحتاج أيضا جودة الفكر والتي تركز على الأفكار التي يمكن أن تغير المستقبل وتحقق جودة الحياة، نحتاج أيضا فكر الجودة في تطبيق الأفكار الصحيحة بالطرق والأساليب العلمية، وتوفير البيئة التنظيمية المناسبة للإبداع ولضمان نجاح فكر الجودة ، لأن مخرجات فكر الجودة هى مدخلات جودة الفكر، فنحن في حاجة إلى الاثنين معا لتحقيق الأهداف التي نسعى للوصول إليها وهى الارتقاء بالإنسان، وتحقيق التنمية الإنسانية المستدامة الذي تتبناه الأمم المتحدة والذي يقوم على أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم ، وبالتالي تنظر إلى التنمية الإنسانية على أنها مفهوم أوسع من مفهوم التنمية البشرية حيث الأخيرة تركز على رأس المال البشري وتعامل الناس كمدخل من مدخلات عملية التنمية ، ولكن التنمية الإنسانية تضيف أنهم منتفعين منها، فالتنمية الإنسانية هى تنمية الإنسان بالإنسان وللإنسان. و هى تقوم على محورين الأول بناء القدرات البشرية والمحور الثاني التوظيف الكفء لهذه القدرات، بهدف تحقيق رفاهة الإنسان.

والعملية التعليمية هى المحرك الرئيسي لتحقيق التنمية البشرية والتنمية الإنسانية وتحقيق رفاهة الإنسان وجودة الحياة ، لهذا تحتاج إلى جودة الفكر وفكر الجودة.

Author: د. عبدالرحيم محمد عبدالرحيم

دكتور عبدالرحيم محمد عبدالرحيم استشاري التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي والتدريب عضو هيئة تدريس (منتدب) – كلية المجتمع – دولة قطر drabdo68@yahoo.com www.dr-ama.com

Share This Post On