Balanaced Scorecard قياس الأداء المتوازن

قياس الأداء المتوازن وفلسفة إدارة الأداء في القطاع الحكومي
د. عبدالرحيم محمد

إستشاري التخطيط الإستراتجي وقياس الأداء المؤسسي

drabdo68@yahoo.com

تسعى الحكومات الحديثة إلى مواكبة التطورات السريعة والمتلاحقة، بشتى الطرق من خلال إدارة الأداء الحكومي بنفس
منهج إدارة القطاع الخاص سعياً إلى تحقيق التطوير، وتقديم الخدمات في أفضل صوره، وذلك لمواجهة الكثير من التحديات، والتي يتمثل أهمها في: تعدد الأهداف، وتزايد حاجات المجتمع وتنوعها، وندرة الموارد والتحولات الاقتصادية. والتي أدت إلى تسابق الدول في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات من خلال خلق البيئة المناسبة لذلك. ويطلق على الجهود التنظيمية المخططة التي تهدف إلى تحقيق التحسينات المستمرة والتميز والاستجابة للقوى الداعمة للتميز الميزات التنافسية الدائمة “إدارة
التميز.(1)

وتستطيع المنظمات من خلال القياس الكمي للأداء معرفة المعلومات المهمة عن المنتجات والخدمات التي تقدمها والعمليات التي تقوم بها. فقياس الأداء هو منهجية تساعد في فهم وإدارة وتحسين الأعمال التي تقوم بها المنظمات.
وقياس الأداء يمكن المنظمة من معرفة الآتي: (2)
إلى أي مدى تعمل المنظمة بطريقة صحيحة.
مدى قدرة المنظمة على تحقيق أهدافها.
مدى قدرة المنظمة على تحقيق الرضاء لعملائها.
مدى توفرالمعلومات تساعد في الرقابة على عمليات المنظمة.

يساعد قياس الأداء المنظمة في تحديد التحسينات الضرورية التي تسعى إلى
إحداثها لتطوير الأداء.

وتعتبر البيانات السابقة هى المصدر الأساسي الذي تعتمد عليه المنظمة فى اتخاذ القرارات المهمة والتي تمكنها من القيام بأعمالها. وتهدف نظم قياس الأداء إلى قياس مدى نجاح الإستراتيجية، فعند قيام المديرين في المنظمة بتصميم نظام قياس الأداء يتم اختيار مجموعة من المقاييس المهمة التي تعبر عن إستراتيجية المنظمة بشكل جيد. وتركز على عوامل النجاح المهمة في الوقت الحالي وفى المستقبل. ومن خلال تطوير هذه العوامل تستطيع المنظمة إنجاز أهدافها. ولهذا تعتبر نظم قياس الأداء أداة تساهم على زيادة قدرة المنظمة على تنفيذ الإستراتيجية.(3)

وتتوقف فعالية الإدارة
على القياس الفعال للأداء والنتائج، فكلما كانت المنظمة تمتلك نظاما جيدا للقياس كلما اتصف أداؤها بالفعالية. والشرط الأول
لتحسين وتحقيق التميز في أداء المنظمة هو تطوير وتنفيذ نظام قياس الأداء. ويلعب قياس الأداء دورا مهما في جعل المنظمة على علم بالعوامل الأساسية التي تحقق لها النجاح، كما يساعدها في تحديد المناطق التي تحتاج إلى تحسين. ويعتبر تحديد متطلبات قياس الأداء الجيد والتركيز على المقاييس المناسبة التي ترتبط بنظام القياس عملية مهمة لأنها تحدد نجاح أو فشل المنظمة.(4)

لماذا قياس الأداء؟:

تحتاج المنظمات الحكومية إلى أداة تستطيع من خلالها الحكم على فعالية الأنشطة والعمليات اللازمة لتحقيق الأهداف المنشودة، والتوصل إلى ما قد يكون هناك من تباين بين النتائج المستهدفة و النتائج التي تحققت فعلا. و الأداة هى المعيار Standard الذي من يمكن خلاله مقارنة المحقق بالمستهدف على أساس المعايير المحددة مسبقا وهذه هى عملية القياس . فالقياس هو الوجه الثاني لعملية المعايرة.(5)

ويجب على المنظمات أن تقيس نتائج أعمالها أو إدارتها – حتى لو لم تحصل من خلال هذه النتائج على عائد أو مكافأة، لأن المعلومات التي يتم الحصول عليها تحول أداء المنظمة إلى الأحسن، ويشير كلا من وليام تومسون ولورد كيلفن إلى
أنه “حين تستطيع قياس ما تتحدّث عنه وتعبّر عنه بالأرقام، فمعنى ذلك أنّك تعرف شيئاً عنه ولكن حين تعجز عن قياسه والتعبير عنه بالأرقام، فإن معرفتك ستكون ضئيلة وغير مُرضية، وفي تلك الحالة قد يكون الأمر بداية معرفة فقط، لكنّك قلّما ستتقدم في أفكارك وتصل إلى مرحلة العلم”.(6)

وإذا لم تستطع المنظمة قياس نشاطها لا يمكنها الرقابة عليه، وإذا لم تستطع رقابته لا يمكن إدارته. وبدون القياس لا يمكن صناعة قرارات سليمة. وعلى هذا تحتاج المنظمات إلى قياس الأداء للأسباب التالية: (7)

الرقابة Control:

يساعد قياس الأداء في تقليل الانحرافات التي تحدث أثناء العمل.

2-
التقييم الذاتيSelf-Assessment
 يستخدم القياس لتقييم أداء العمليات وتحديد التحسينات المطلوب تنفيذها.

3-التحسين المستمرContinuous Improvement :

يستخدم القياس لتحديد مصادر العيوب، و اتجاهات العمليات، و منع الأخطاء،
وتحديد كفاءة وفعالية العمليات، أيضا فرص التحسين.

تقييم الإدارة
Management Assessment :

بدون القياس لا توجد طريقة للتأكد من أن المنظمة تحقق القيمة المضافة لأهدافها أو أن المنظمة تعمل بكفاءة وفعالية.

 

التطور التاريخي لنظم قياس الأداء في المنظمات العامة:

يعتبر قياس الأداء هو التطور التاريخي للرقابة على الأداء والذي يركز على جودة توصيل الخدمة وتحقيق النتائج التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها، وعملية الرقابة غالبا ما تتم سنويا ولكن في بعض الحالات تكون ربع سنوية ، وقد تتكرر كثيرا. وبالتالي تركز الرقابة على التكلفة وتوصيل الخدمة وعدد الأفراد الذين حصلوا على الخدمة. وتعمل نظم الرقابة على مقارنة الأداء الحالي للوحدات بالأداء السابق، أو مقارنة النتائج المتحققة بالمعدلات المستهدفة. ونتيجة لأن الخدمات العامة لها أبعاد متعددة أدى هذا إلى خلق نوع من الصعوبة في تصميم نظام مناسب للرقابة. وقد استخدمت الرقابة في المنظمات الفيدرالية والولايات والمحليات في الولايات المتحدة الأمريكية لتحسين الجودة، ولكن في ظل نظم الرقابة غالبا ما تكون البيانات المتاحة عن الأداء غير دقيقة، ولتقليل الأخطاء والتلاعب في البيانات المتاحة يجب المراجعة الدورية لهذه البيانات . (8)

ولم يكن القطاع الحكومي بعيدا عن كل التطورات التي تحدث، حيث أدت التطورات التي حدثت في السنوات العشر الأخيرة للقرن العشرين وظهور ما سمى باتجاه الإدارة العامة الجديدةNew Public Management (N P M) و الذي نادى بتطبيق مفاهيم إدارة الأعمال في إدارة المنظمات الحكومية ، مما أدى إلى انتقال الاهتمام بقياس الأداء إلى الحكومة. فإذا كان عصر الستينات هو عصر التسويق The Era of Marketing . وعصر الثمانينات هو عصر المبادرات الخاصة بالجودة The Era of Quality Initiatives . وعصر التسعينات هو عصر خدمة العميل The Era of Customer Service. فيبدو أن العقد الأول من القرن الجديد هو عصر قياس الأداء The Era of Performance Measurement .

ويرى البعض أن العالم تحول من عملية العد Counting إلى عملية المحاسبة Accounting والآن إلى قياس الأداء.(9)

ويركز قياس الأداء التقليدي على القياس المالي مثل معدل دوران المبيعات، الربح، الديون، معدل العائد على الاستثمار، عدد الخدمات، عدد الأفراد الذين حصلوا على الخدمات. وعلى هذا فإن مقاييس الأداء التقليدية لا تتناسب مع الكفاءات والمهارات التي تحتاجها المنظمات اليوم. فمقاييس الأداء التي تحتاجها المنظمات ليست فقط لمعرفة كمية الربح أو الخسارة أو عدد الخدمات المقدمة للعميل، ولكن أيضا لتفسير القوى المحركة وراء نجاح أو فشل المنظمة. ومن هنا فإن النماذج المحاسبية وحدها لا تتضمن العناصر التي لها علاقة بالنتائج المالية الجيدة أو غير الجيدة في المستقبل. فالمقاييس المالية لا تؤدى بدرجة كافية إلى تحسين رضاء العميل، وتحسين الجودة، وتقليص دورة الإنتاج، وحث دافعية العاملين. وتعتبر المقاييس التشغيلية هى محركات الأداء المالي في المستقبل، والنجاح المالي هو نتيجة منطقية للعمل بشكل جيد. وبالتالي فالمنظمات في حاجة إلى مقاييس للأداء تركز على محركات الأداء في القياس، وتقيس بدرجة أفضل من النماذج المالية.

وفى ظل التعقيد الذي يواجه إدارة المنظمات هذه الأيام، يجب على مديري المنظمات أن يكون لهم القدرة على النظر إلى أداء المنظمة ككل، وخاصة لأن البيئة التي تعمل فيها المنظمات بيئة متغيرة ونجاح المنظمة يعتمد على قدرتها على مقابلة الحاجات المتغيرة لأصحاب المصلحة، والمنظمة لا تستطيع بناء نظام `ذاتي لقياس الأداء، وعلى هذا فهى في حاجة إلى تقييم الأداء من منظور خارجي، مثل الاستماع للعملاء والموردين وأصحاب المصلحة الآخرين. والمقاييس في حاجة لأن تستخدم بطريقة تؤدى إلى تطوير النتائج التي يكون لها تأثير أو قيمة في المستقبل، ويأتي ذلك من خلال الدور المستمر للتعلم والابتكار. وهذا هو الهدف الجوهري والحقيقي لنظام قياس الأداء الجيد.(10)

ونماذج قياس الأداء التقليدية بدأت عام 1915 بالتركيز على الجوانب المالية في التقييم، ومن أشهر هذه النماذج نموذج شركة DUPONT الذي يقيس العائد على رأس المال المستخدم في المنظمة. و قد انتشر هذا المفهوم في كثير من المنظمات في مختلف الدول، ولكن مع التطور وظهور تحديات جديدة ظهرت الحاجة إلى نماذج جديدة. (11)

وقد حدث تطور كبير في مجال قياس الأداء في مجالات المراجعة والموازنة بهدف دعم الإدارة وصناعة القرارات السياسية. وركزت مؤشرات الأداء على مقاييس للإنتاجية ، والجودة، والوقت، والكفاءة، و فعالية المنظمة في ترشيد التكلفة وتنفيذ البرامج. ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن الاهتمام بقياس الأداء ليس جديدا. (12)

ويعود تاريخ أول كتابة علمية عن قياس الأداء إلى عام 1938 وذلك عندما نشرت إحدى الهيئات International City Management Association (ICMA) مقالة بعنوان ” قياس أنشطة المحليات: استقصاء لاقتراح أسلوب لتقييم الإدارة” ، وكان هذا هو العمل الأول الذي ناقش الطرق المحتملة لقياس عدد من أنشطة المحليات. (13)

كما شهد قياس الأداء اهتمام كبير في الخمسينيات والستينيات وذلك عندما استخدمت شركة RAND بولاية كاليفورنيا ما يعرف بتحليل النظم في قطاع الدفاع بها. وهذا أدى إلى تطوير نظم تخطيط البرامج والموازنات، وقد استخدم نظام القياس في البداية في النواحي العسكرية ثم بعد ذلك في الأمور غير العسكرية في الوحدات الفيدرالية على يد الرئيس Lyndon Johnson في نهاية الستينيات.(14)
وفى منتصف السبعينيات ظهرت محاولات اهتمام بقياس الأداء، وفى تلك الفترة حدث تعاون بين Urban Institute and ICMA لتقديم كتابين بهدف تقديم شكل علمي وعملي لقياس أداء الحكومات المحلية التي تهتم بتجميع وتحليل البيانات عن الأداء المحلى.

وفى الثمانينيات تمت تجربة عدد من المبادرات الإنتاجية من قبل القطاع الخاص عرفت باسم حركة إدارة الجودة الشاملة، على اعتبار أن قياس الأداء يهتم بأفكار جودة الخدمة، ورضاء العميل، والإدارة بالنتائج. ومنذ الثمانينيات وبدأ الاهتمام بقياس الأداء الكمي وترجمة العناصر غير الكمية إلى عناصر كمية يمكن قياسها. وقد أشار إلى ذلك George S. Odiorne في عام 1987، وركز على ضرورة استخدام نظم القياس الكمية، وذكر أن المشكلات التي تواجه المنظمة تكون نتيجة لعدم قياس النواحي غير الملموسة وعدم ارتباط الأهداف ومقاييس الأداء بإستراتيجية المنظمة. وأنه يجب إعادة النظر فى معايير القياس الموجودة نظرا للمتغيرات الحالية. (15)

وقد اهتمت المنظمات العامة بتطوير نظم قياس الأداء نظرا للحاجة الملحة إلى نظام قياس منظم لقياس الأداء بها. وقد زاد هذا الاهتمام بتطوير مؤشرات الأداء في الفترة التي شهدت ظهور حركة إعادة الاختراع في التسعينيات.(16)

واستجابة للاهتمامات المتزايدة تجاه التركيز على عملية قياس الأداء في التسعينيات، واجهت الحكومات صعوبات في تطوير مؤشرات قياس الأهداف حتى تكون كافية لقياس نتائج البرامج أو الأنشطة. وفى كتاب إعادة الاختراع والذي صدر عام 1993 أشارا Osborne and Gaebler إلى أهمية المواطن والأحزاب البرلمانية في توفير المعلومات التي تساعد في عملية
القياس. فالأحزاب إذا لم يكن لديها معلومات كافية فإن قرارها يكون غير سليم. وقياس الأداء هو وسيلة لنقل المعلومات إلى متخذي القرار.

ففي عام 1993 تبنى تقرير النتائج والأداء الحكومي للحكومة الأمريكية Government Performance and Results Act ونائب الرئيس الأمريكي Al Gore عملية قياس الأداء، وقد ساعد هذا في وضع أساس لتقوية جهود الأجهزة الفيدرالية بهدف تحسين النتائج من خلال قياس الأداء، وقد انتشر المفهوم بشكل كبير في الحكومات المحلية وكان تركيز القياس منصبا على حجم العمل وقياس التكلفة وليس على النتائج وتوصيل الخدمة وإنجاز الأهداف، وتبين من الدراسات التي تمت في ذلك الوقت أن 50% من المنظمات المحلية طورت نظم القياس بها.(17)

ومنذ بداية التسعينيات زاد الاهتمام بقياس الأداء الذي يركز على المعايير غير المالية مع الاحتفاظ بالمعايير المالية ، وذلك نتيجة للقصور الذي يواجه المنظمات في قياس الأداء على أساس المعايير المالية فقط، نظرا لأنها لا تقدم بيانات تساعد متخذ القرار في المستقبل، ومن هنا قدم Kaplan and Norton مدخل قياس الأداء المتوازن كأداة إستراتيجية لقياس وتطوير الأداء في المنظمة. (18)

ولقد بدأت الكثير من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهم في الاهتمام بقياس الأداء الحكومي, ففي عام 2000 أصبحت عملية قياس الأداء مطلبا ضروريا في كل جهة حكومية فيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية طبقا لقانون قياس الأداء والذي صدر عام 1993. كما طبق هذا المدخل في بريطانيا، فمنذ أبريل 2000 أصبحت عملية قياس
الأداء عملية إجبارية في كل الهيئات الحكومية البريطانية. ويعكس هذا بالطبع استجابة الحكومات لمتطلبات وتوقعات دافعي الضرائب وبالتالي ضرورة المساءلة والتأكد من مدى فاعلية وكفاءة الإنفاق الحكومي.(19)
دوافع تطوير نظم قياس الأداء في المنظمات العامة:

تقوم الحكومات على تقديم الخدمات المتنوعة للجمهور ، خاصة فيما لا يمكن لسواها من قطاعات تقديمه، كخدمات الدفاع والأمن الداخلي والقضاء وذلك إضافة إلى الخدمات الأخرى. وعادة ما يكتنف الغموض التحديد الوصفي للأهداف وهو من الأسباب الرئيسية لضياع الموارد المتاحة حيث أن الأهداف المطلوب تحقيقها غير مقاسه بصورة كمية محددة وذلك فيما يمكن قياسه كمياً. لذا فالتخطيط يجب أن يبني أساسا على القياس الكمي الموضوعي مع الأخذ في الحسبان اثر العوامل الوصفية التي يصعب إخضاعها للقياس الكمي.

أيضا من أهم المتغيرات الداعية لتفعيل القياس والأداء الحكومي -إضافة إلى ندرة الموارد ومحدوديتها- ما تم استحداثه من سياسات اقتصادية في كثير من الدول كسياسة الخصخصة (Privatization)، وانتهاج منهج اقتصاديات
السوق، وذلك مصاحبا لتنفيــذ ما تمليه الاتفاقية العامـة للتجارة والتعريفات (GATT) ومنظمة التجارة العالمية (WTO) في ظل النظام العالمي الجديد (Globalization) مصاحبا لتقنيات وثورة المعلومات والاتصالات ومفهوم إدارة الجودة الكلية (TQM) بكافة القطاعات.(20)

كما أن هناك قطاعات آخري تأثرت بالتطورات الحالية، منها على سبيل المثال قطاع الصحة حيث بدأ التفكير في تطبيق نظم جديدة للقياس، لأن نظم قياس الأداء التي إعتمد عليها في خلال الثلاثين سنة الأخيرة لم تتغير و كانت تركز على ثلاثة مكونات فقط في القياس، وهى الهيكل والعمليات والنتائج، فمؤشرات القياس التي كانت تستخدم في دراسة الهيكل كانت تركز على
القواعد واللوائح والتنظيمات، ومؤشرات قياس العمليات كانت تركز على مدى قدرة العاملين على تحقيق أهدافهم. أما قياس النتائج فكان التركيز على قياس النتائج قصيرة الأجل وطويلة الأجل للعمليات في ظل البيئة التي تعمل بها المنظمة.(21)

أيضا هناك عاملان أساسيان وراء التطوير في نظم قياس الأداء وهما: (22)

العامل الأول: تزايد الاتجاه نحو استخدام المقاييس غير المالية لتتكامل مع المقاييس المالية التقليدية، فعلى الرغم من الاهتمام باستخدام المقاييس غير المالية إلا أن هذا الاهتمام لا يعتبر حديثا، فقد تم التفكير فيه منذ السبعينيات، إلا أن التطور الكبير والتوصية باستخدامها كان في التسعينيات.
العامل الثاني: العلاقة بين عملية التخطيط الإستراتيجي وقياس الأداء أصبحت عملية مهمة في كل مستويات المنظمة. فالمنظمات بدأت في تطوير نظم الأداء وأصبحت الرؤية والإستراتيجية تعكس المقاييس المالية وغير المالية في كل
مستويات المنظمة.

يتبين من العاملين السابقين أن هناك اتجاها متزايدا يركز على خلق تكامل بين المقاييس المالية وغير المالية، والعمل على خلق علاقة قوية بين قياس الأداء وخصائص الإستراتيجية والتي غالبا ما يعبر عنها نظام قياس الأداء الإستراتيجي. وحاليا يعتبر قياس الأداء المتوازن من أشهر نظم قياس الأداء الإستراتيجي.

أيضا تتجه المنظمات إلى تطوير نظم قياس الأداء بها بسبب تعدد وتداخل الأهداف والتي تعتبر من أهم المشكلات التي تواجه المنظمات العامة، هذا بالإضافة إلى تعقد الوظائف في الحكومات الحديثة وتعدد المهام التي تقوم بها.(23)

وعموما يمكن القول أن عملية قياس الأداء الكمي من القضايا المهمة والملحة التي اهتمت بها المنظمات، وخاصة في ظل عدم الاستقرار في البيئة التي تعمل بها المنظمات العامة هذه الأيام. كما ترجع أهمية قياس الأداء الكمي إلى التغير في دور الدولة والاتجاه إلى توسيع قاعدة المشاركة والتمكين والتوجه نحو تطبيق المفاهيم الإدارية الحديثة مثل الشفافية والمساءلة، فهذه المفاهيم من الصعب تطبيقها في ظل النظم التقليدية التي تعتمد في عملية القياس على عدد الخدمات التي تقدمها المنظمات للجمهور.

تعريف نظام قياس الأداء والمكونات المرتبطة به:

نظم قياس الأداء عبارة عن آلية لتقييم مدى تقدم المنظمة تجاه تحقيق الأهداف التنظيمية. وهذا التقدم يتم تحديده من خلال نظام قياس الأداء، ويعبر عنه في شكل الزيادة في مستويات الإنتاجية. وتعرف الإنتاجية بأنها تحقيق الأهداف.

ويعرف قياس الأداء Performance Measurement (PM) بأنه عملية اكتشاف وتحسين تلك الأنشطة التي تؤثر على ربحية المنظمة، وذلك من خلال مجموعة من المؤشرات ترتبط بأداء المنظمة في الماضي والمستقبل بهدف تقييم مدى تحقيق المنظمة لأهدافها المحددة في الوقت الحاضر.(24)

قياس الأداء:Performance Measurement

هو طريقة منظمة لتقييم المدخلات والمخرجات والعمليات الإنتاجية في المنظمات الصناعية وغير الصناعية. ويتضمن نظام قياس الأداء معايير ومقاييس للأداء. ومقياس الأداء، هو أداة مهمة للحكم على الأمور، كالموازين والمكاييل، وغيرها. وبدون مقياس واضح وسهل الاستخدام ومبسط ومتفق عليه، ستتحول الأمور إلى التدخل الشخصي الانطباعي في الحكم على
الأمور وتقييمها، تماماً كالذين يستخدمون مقاييس مزدوجة، أو معايير مزدوجة. لذا فإن القرآن قد توعد مثل هؤلاء بأشد الوعيد في سورة من سوره سميت باسم هؤلاء أصحاب المقاييس أو المعايير المزدوجة وهم “المطففون”. وذلك في قول الله تعالى “الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون، ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين”. فالمقياس هنا أو المكيال قد فقد موضوعيته، ومن ثم قدرته على القياس للحكم الصحيح والوصول إلى الحقيقة فيما يتعلق بالتعاملات المختلفة بين الأفراد والمجموعات.(25)

وتتكون نظم قياس الأداء من مؤشرات ومعايير، ومقاييس الأداء تعمل على التخطيط والملاحظة والرقابة على الموارد بهدف تحقيق حاجات العميل وإنجاز أهداف المنظمة. ونظام قياس الأداء ضروري لاكتشاف الأخطاء، وتحقيق الرقابة على العمليات لإحداث التحسينات في عمليات المنظمة وتحقيق أهدافها الإستراتيجية في ظل المنافسة التي تواجه منتجاتها وخدماتها.

والمدخل الرئيسي لتطوير فعالية المقاييس هو تحديد العناصر التي تساعد بشكل مباشر في تحقيق النتائج المرغوبة وتوصيلها إلى الأفراد المناسبين في الوقت المناسب. إذا ما الذي يجب على المنظمة أن تقيسه؟، يجب على المنظمة أن تبدأ باختيار المقاييس التي تصف وتعكس الأهداف الإستراتيجية، وتعبر عن النتائج، وتركز على المخرجات. ويجب أن تتصف المقاييس التي يتم تصميمها بما يلي: (26)

أن تستجيب للأولويات التنظيمية المتعددة.  تشجع على التحسين في العمليات التي تقوم بها المنظمة.   إعطاء صورة واضحة وكاملة ودقيقة وصادقة عن أداء المنظمة.
·يتضمن مزيج من المؤشرات المالية وغير المالية.
مؤشرات قياس الأداء:Performance Indicators
مؤشر الأداء هو العنصر المناسب ( مثل نسبة الأجزاء المعيبة في المليون مثلا، والوقت المستخدم في التصنيع) والذي يستخدم لتقييم الأداء الكلي أو الجزئي، وتقييم الأداء في الأجل القصير والأجل الطويل، وتقييم الأداء الوظيفي ( المحاسبة، التسويق، التصنيع، وهكذا) وتقيم الأداء ككل.
وتعتبر مؤشرات قياس الأداء الأساسية هى وسائل لقياس الأداء أو التقدم تجاه تحقيق الأهداف العلمية للمنظمة أو الوحدة، وحينما ترتبط هذه المقاييس بإستراتيجية وعوامل مفهومة، فإن هذه المؤشرات تساعد المنظمة أو أي وحدة فيها أو حتى عملاءها الخارجيين (المستثمرون والموردون والمجتمع)على تفهم أهداف المنظمة وكيفية تحقيقها بشكل جيد.
كما يسمح قياس الأداء للمنظمة بتحديد طريقة عملية لتوصيف ما يعتبر أداءً مناسبا، وما هو ليس كذلك. وباستعمال هذا التعريف المحدد للنجاح، يستطيع المديرون مكافأة موظفيهم والتعلم من الممارسات الجيدة المطبقة في منظمة الأعمال.(28) اختيار

مؤشرات القياس:
هناك العديد من القرارات التي يتم اتخاذها بخصوص مؤشرات القياس بهدفتحقيق التوازن والكفاءة عند استخدامها. ومن ناحية أخرى هناك الكثير من المقاييس التي تعطى رؤية شاملة عن أداء المنظمة، وهناك الكثير من البيانات التي يمكن استخدامها في تحسين برامج العمل في المنظمة. وتبدأ عملية اختيار المقاييس من خلال قائمة شاملة لمؤشرات النتائج الممكنة. وتشير الأدبيات والتقارير والأفكار التي يطرحها أصحاب المصلحة (المستفيدون) أن هناك سبعة عناصر ضرورية يجب توافرها في مؤشر
القياس وهى: (29)

  1. أن يكون المقياس ذا معنى ويحقق الأهداف التي تسعى المنظمة للوصول إليها.
  2. ارتباط المقياس بالعمليات التي تقوم بها المنظمة.
  3. تجنب الإفراط في استخدام المقاييس.
  4. توفير مؤشرات تتعلق بالمستقبل لتحديد النتائج السلبية التي يمكن أن تحدث فيما بعد.
  5. تحديد الممارسات الإدارية الفعالة.
  6. توفير البيانات الفنية الحقيقية.
  7. تخفيض حجم البيانات التي يتم جمعها.

 

أنواع مؤشرات قياس الأداء فى المنظمات الحكومية:

ركزت الدراسات التي تم تنفيذها في مجال قياس الأداء على المؤشرات التي تستخدم في عملية القياس ونوعيتها والشروط المطلوب توافرها في هذه المؤشرات. وهنا يمكن تقسيم مؤشرات قياس
الأداء إلى أربع مجموعات أساسية وهى: (30)
1- مؤشرات تتعلق بفعالية Effectiveness
تحقيق الأهداف التي تعمل الأجهزة الحكومية على تطويرها، وتتوقف تلك المجموعة من المؤشرات على طبيعة نشاط وأهداف كل وحدة.

2- مؤشراتتتعلق بكفاءة Efficiency

إستخدام الموارد في كل جهاز حكومى، حيث تتضمن هذه المجموعة نسبةالتكاليف الإجمالية إلى بعض المخرجات المحددة التى يقدمها الجهاز.
ويعبر ذلك بشكل أساسى عن تكلفة الخدمة التى يقدمها هذا الجهاز.

3- مؤشرات تتعلق بإنتاجية Productivity
وحدات الجهاز الحكومى، ويكون ذلك عن طريق العلاقة النسبية بين مخرجات ومدخلات تلك الوحدات، ويتفق ذلك مع كل من الإنتاجية الإجمالية والإنتاجية الجزئية للعناصر.
4- مؤشرات تتعلق بمستوى جودة Quality
الخدمات المؤداة فى الأجهزة الحكومية. ويتضمن ذلك تحليلا للأبعاد الأساسية التي تتكون منها جودة الخدمة بصفة عامه وجودة
الخدمات الحكومية بشكل خاص.

ويضيف البعض عناصر أخرى لمؤشرات القياس منها(31)
5- مؤشرات تتعلق بوقت التشغيل Timelines
وهو يقيس قدرة المنظمة على أداء العمل بشكل صحيح وفى الوقت المحدد. والمعيار هنا يكون على أساس متطلبات العميل.
6-مؤشرات تتعلق بالأمان Safety

وهو يقيس كفاءةالمنظمة والبيئة التى يعمل فيها العاملون.
معايير الأداء:
تعتبر معايير الأداء عملية ضرورية ومهمة فهي تسمح للمنظمة تفهم مدى توائمها مع مؤشرات القياس وتمكنها من استرجاع البيانات وتقييم المعلومات. وتعرف معايير الأداء بأنها مستوى الرضاء المقبول عن
الأداء.(32)
فالمعيار هو ما يتم القياس بناءً عليه. وهو الإنجاز المخطط أو المستهدف بشكل كمي رقمي، وهو المرشد والموجه لعملية القياس والضبط، والإصلاح. على سبيل المثال: درجة حرارة الإنسان، المعيار: الوضع المعياري النمطي هو 37 درجة.

والمقياس هو الأداة التي يتم القياس بها هي الترمومتر. إذن فالمقياس هو ما يتم القياس به والمعيار هو ما يتم القياس بناءً عليه والرابط بينهما واضح وقوي. حيث تتم المقارنة بين الاثنين لتحدث عملية التقييم ومن ثم الحكم الصحيح على نتائج الأعمال، واتخاذ الإجراءات المناسبة، سواء كانت تصحيحية أو تعليمية مما هو إيجابي. وللمقاييس والمعايير مواصفات يجب الالتزام
بها.(33)

اختيار المعايير Metric Selection

الخطوة الأساسية في تطوير نظم قياس الأداء هي تحديد المعايير التي سيتم استخدامها في عملية القياس. ومن خلال دراسة الأدبيات التي تناولت تحديد معايير الأداء تم تحديد أربعة عناصر رئيسة يجب توافرها في المعايير وهى( (34)

1- أن تكون نابعة من إستراتيجية المنظمة.

2- أن تعمل على تطوير أنشطة وأعمال المنظمة.

3- أن تكون مرنة ومرتبطة بالتغيرات السريعة في الإستراتيجيات ، العمليات،
والبيئة ككل.   تعتمد في التحديد والتطوير على فرق العمل. ويجب ملاحظة أنه على الرغم من أن المدير يحاول أن يعتمد على عدد كبير من المعايير لتغطية كل مناطق الأداء في المنظمة، إلا أن كثيرا منها يعرقل متخذ القرار وذلك نتيجة لعدم الوضوح.

أنواع معايير الأداء:Types of Performance Metrics

بمجرد تحديد مقياس الأداء تستطيع المنظمة استخدام المعايير لتحقيق التقدم والنتائج. والمعايير تستخدم لقياس مدى كفاءة أداء العمليات أو تخصيص الموارد. والمعايير هي وهى ضرورية لفهم عمليات المنظمة.

وتشير الأدبيات إلى أن هناك العديد من معايير الأداء، ويمكن تقسيمها في الفئات التالية: (35)

فعاليةالتكلفة وتشير إلى كيفية إدارة التكلفة بشكل جيد. ومؤشرات الأداء الرئيسية عادة ما تتضمن التكلفة لكل وحدة، التكلفة كنسبة من العائد، التكلفة كنسبة من إجمالي الموازنة، والتكلفة الفعلية إلى تكلفة الموازنة.

  • إنتاجية العاملين وهى تشير إلى مخرجات العاملين فى وقت محدد. ومؤشرات الأداء الأساسية هنا تتضمنوحدات المخرجات ( الفواتير وطلبات الشراء) فى فترة محددة وحجم العمل ( عدد العملاء الذين تم خدمتهم) لفترة محددة. وعادة ما تركز على العوامل التي تؤثر على إنتاجية العاملين، مثل ساعات التدريب لفترة محددة.
  • كفاءة العمليات تشير إلى كيفية عمل النظم والإجراءات في دعم العمليات. ومؤشرات الأداء الرئيسية ومن الممكن أن تتضمن معدل الخطأ ، معدلات الدقة. كما تركز على العوامل التي تؤثر على كفاءة العمليات مثل معدل فترات الصيانة، ودرجة ميكنة العمليات.
  • دورة الوقت تشير إلى وقت تنفيذ المهمة. ومؤشرات الأداء الرئيسية تقيس وقت الوحدات وربما تتضمن وقت التشغيل والوقت اللازم للرد على استفسارات العملاء وحل مشاكلهم. والمؤشرات المساندة عادة ما تركز على العوامل التي تؤثر على دورة الوقت مثل عدد مرات تكرار تعطل النظام.

مزايا قياس الأداء:
تعتبر النقاط التالية أهم المميزات التي تتحققللمنظمات عندما تقوم بتطبيق نظم القياس:

1- يساعد قياس الأداء في تحديد ما إذا كانت المنظمة تحقق احتياجات العميل أم لا. وهنا يجب مدير
المنظمة أن يسأل، هل نحن على علم بنوعية المنتجات والخدمات التي
يحتاجها العميل؟.

2- يساعد قياس الأداء المنظمة
في فهم العمليات التي تقوم بها. فهو يؤكد ما تعرفه المنظمة ويوضح ما لا تعرفه. والسؤال هنا هل القائمون على المنظمة لديهم خلفية بالمشكلات التي تواجه المنظمة؟.

3- التأكد من أن القرارات التييتم اتخاذها تكون على أساس الحقائق وليس على العواطف أو الآراء
الشخصية. والسؤال هل القرارات تتخذ بناء على المستندات والوثائق
أم على الحدس والتخمين والتحيز الشخصي؟.

4- توضيح أي الأماكن أو القطاعات في المنظمة تحتاج إلى إجراء التحسين والتطوير. والسؤال
ما هي الأماكن التي تعمل بكفاءة في المنظمة؟، وكيف نستطيع إجراء التحسن والتطوير في الأماكن التي تحتاج إلى ذلك؟

5- يساهم قياس الأداء في التأكد من أن التحسين والتطوير الذي تم التخطيط له قد حدث بالفعل؟، والسؤال، هل لدينا صورة واضحة عن التحسينات التي تمت في المنظمة؟.

6-يساعد قياس الأداء في تحديد المشكلات التي تظهر نتيجة التحيز الشخصي ، والاعتماد على العاطفة. فلو تم القيام بالأعمال لفترات طويلة بدون القيام بقياس الأداء لها على افتراض أنها تتم بشكل جيد، فربما تكون النتائج صحيحة أو غير صحيحة، ولكن بدون قياس الأداء ليست هناك وسيلة تحدد هل الأعمال التي يتم تنفيذها تتم بطريقة صحيحة أم لا.

 

 

 

الاعتبارات التي يجب مراعاتها في نظم قياس الأداء:

الهدف من تطبيق المنظمات لنظم قياس الأداء هو إنجاز رؤيتها وتحقيق الأهداف الإستراتيجية لعملائها. وبالتالي يجب
مراعاة الاعتبارات التالية في نظم قياس الأداء: (37)

  • الاعتبار الأول: تحقيق الرؤية الإستراتيجية المحددة للمنظمة.

يجب أن تكون أهداف ومقاييس الأداء محددة بدقة. هذا بالإضافة إلى إمكانية تحقيقها وفى نفس الوقت تكون قابليتها
للقياس. ويجب أن يكون هناك ارتباط بين نظم قياس الأداء في المنظمة والتخطيط الإستراتيجي و التخطيط التشغيلي.

  • الاعتبار الثاني قياس الأشياء الصحيحة:

يجب على المنظمة قبل تحديد المقاييس أن تقوم بتحديد وفهم العمليات التى سيتم قياسها. وبالتالي يجب على المنظمة تحديد العمليات الرئيسية ووضعها فى خريطة التنفيذ لضمان:

  • التأكد من تنفيذها بدلا من الافتراض بفهمها.
  • 2 والتأكد من أن المقاييس التي تقيس نجاحها تم اختيارها بشكل صحيح.
  • الاعتبار الثالث: القياس وسيلة وليس غاية يقوم العاملون والمديرون في المنظمات بالعمل تجاه
    تحقيق النتائج المرغوبة والتي تعتبر جوهر رؤية المنظمة وإستراتيجيتها. فهى تركز على الأهداف التنظيمية باستخدام مقاييس الأداء لقياس الأهداف التي تحققت، ولكن لا تركز على القياس لفترة محددة . وعلى هذا
    يبدو قياس الأداء أنه وسيلة وليس غاية.

 

 

قياس الأداء المتوازن:

يعتبر قياس الأداء من العمليات المهمة سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المنظمة، تخيل انك تعمل بدون أن تقيس ما تعمله، هل يمكن أن تعرف انك تسير فى الطريق الصحيح؟، هل أنت فعلا متجه نحو الهدف؟، هل أنت محتاج
إلى تطوير؟، هل الخطط التى تعمل بها صالحة أم هى فى حاجة إلى تطوير؟، وغيرها الكثير من الأسئلة، والإجابة عنها توحى بأهمية القياس. فلو انك فى يوم أبحرت على سفينة فإنك ترى الربان من وقت إلى آخر ينظر فى أجهزة الإتجاهات والسير لكى يتأكد من انه يسير فى الإتجاه الصحيح نحو الهدف. وبالتالى تتضح هنا أهمية القياس، وعندما ننظر إلى تاريخ القياس نجد أنه شهد االكثير من الإهتمام فهو قديم قدم الإدارة نفسها، وفى الفترات الأخيرة ظهر الاتجاه نحو القياس المؤسسى أى قياس أداء المؤسسة ككل. وفى هذه المقالة يتم عرض فكرة سريعة عند بداية الإهتمام بقياس العناصر غير الملموسة وليس التركيز على الأصول الملموسة فقط وهى بداية القياس المؤسسى وبداية ظهور مدخل قياس الأداء المتوازن.

دوافع التوجه نحو قياس الأداء المتوازن:

تبين من الدراسات التى تم تنفيذها فى كثير من المنظمات، أن إستخدام المنظمات لمؤشرات تمد الإدارة بمعلومات عن مستقبل المنظمة يعتبر عملية هامه وأساسية فى نجاح هذه المنظمات. وهذه المؤشرات تعتبر مؤشرات وقائية تسمح للمنظمات أن تخطط للمستقبل وتستطيع مواجهة ومعالجة المشكلات قبل وقوعها. أما المقاييس المالية تعتبر مؤشرات تاريخية (علاجية)، فهى تقدم تقريرا عن الأداء فى الماضى ولا تتنبأ بما يمكن أن يحدث فى المستقبل. ومقاييس الأداء المالية وحدها نادرا ما تمكن المديرين من المعلومات التى يحتاجونها فى صناعة القرارات الإستراتيجية. والإعتماد على المؤشرات المالية فقط يؤدى إلى التركيز على الأجل القصير والنظرة الضيقة ، كما أن الإعتماد على المؤشرات المالية فقط يعرقل المنظمة من تبنى الفرص فى الأجل الطويل أو التعامل مع تهديدات المستقبل.(38)

كما تبين من الدراسات التى تمت فى مجال الصحة على المنظمات التى طبقت مدخل قياس الأداء المتوازن أن أحد الدوافع الرئيسية هو الاهتمام بجودة المقاييس المستخدمة، وأصبح التركيز على ضرورة فهم أهمية المقاييس والمؤشرات عاملا أساسيا لتحقيق الأهداف، فمؤشرات العائد المالى تقيس مدى تحقيق أهداف المنظمة المالية فقط، ولكنها لا تقيس باقى العوامل الأخرى، فعملية الوصول إلى فهم حاجات وتوقعات وأهداف المرضى فى قطاع الصحة على سبيل المثال ربما لا يكون سهلا بقدر فهم الأهداف المالية. وحتى يمكن تحقيق رضاء المريض فمن البديهى أن تكون المقاييس المستخدمة مرتبطة بحاجات وتوقعات المريض، لأنها لو لم تتم بهذا الشكل فإنها لا تحقق النتائج المطلوبة. (39)
ويرى كل من Kaplan and Norton أن هناك العديد من الدوافع وراء تبنى المنظمات لهذا الاتجاه: (40)

  1. اتجاه المنظمات إلى التركيز على تنفيذ الإستراتيجية إنطلاقا من مفهوم أن تنفيذ الإستراتيجية أهم من الإستراتيجية نفسها. ويعتبر هذا الاتجاه مثيرا للدهشة ففى خلال العقدين الماضيين كان التركيز منصبا على صياغة الإستراتيجية عكس ما هو موجود الآن. و ترى المنظمات أن المشكلة الحقيقية ليست فى الصياغة غير الدقيقة للإستراتيجية ولكن المشكلة فى التنفيذ الخاطىء للإستراتيجية.

2- إعتماد المنظمات على
إستراتيجية وحيدة مصاغة بشكل جيد بهدف تحقيق القيمة للمنظمة ليس كافيا لنجاحها، نظرا للتغير الذى يحدث فى البيئة وبالتالى التغير فى كل العوامل المحيطة مع بقاء أدوات القياس كما هى دون تغيير. أيضا تحول المنظمة من التركيز على إدارة الأصول الثابتة إلى التركيز على إستراتيجيات إدارة المعرفة والتى تقوم بتوظيف الأصول غير الملموسة مثل علاقات العميل، إبتكار منتجات وخدمات جديدة، تكنولوجيا المعلومات، الجودة، قواعد البيانات، قدرات ومهارات العاملين والدافعية.

3- شدة المنافسة وعدم صلاحية الإستراتيجيات التى كانت صالحة للمنافسة فى عصر الصناعة، فكثير من المنظمات حتى نهاية السبعينيات كانت تعتمد على الرقابة المركزية من خلال الأقسام الوظيفية الكبيرة. وفى الفترة الحالية أدركت معظم المنظمات هذه المشكلات، وأصبحت تعمل من خلال فرق العمل وإستخدام اللامركزية فى وحدات الأعمال، حيث أدركت هذه المنظمات أن الميزة التنافسية تتحقق من المعرفة، والقدرات ، وعلاقات الموظفين، أكثر من الاستثمار فى الأصول الثابتة. ومع التغير السريع فى التكنولوجيا والمنافسة، و نظم المعلومات، أصبحت عملية المشاركة فى صياغة وتنفيذ الإستراتيجية فى المنظمة عملية هامه، وأن هناك ضرورة لتحقيق التوازن بين كل الأطراف داخل المنظمة. فالمنظمات اليوم فى حاجة إلى لغة لتوصيل الإستراتيجية، أيضا فى حاجة إلى عمليات ونظم تساعدها فى تنفيذ الإستراتيجية والحصول على تغذيه عكسية حول إستراتيجيتها التى تقوم بتطبيقها.

 

4- يجعل قياس الأداء المتوازن المنظمة تحتفظ بالمعايير المالية التي تعتمد عليها، بالإضافة إلى المعايير غير المالية والتى أصبح من الضرورى أن تعمل بها المنظمات، ويحاول هذا الاتجاه الإعتماد على المعايير غير المالية التى تعطى رؤية عن المستقبل، وعدم الإعتماد فقط على المعايير المالية التى توفر للمديرين معلومات تاريخية عن أداء المنظمة. وبالتالى كل معايير
ومؤشرات القياس فى مدخل قياس الأداء المتوازن تأتى من رؤية وإستراتيجية المنظمة.

كما يضيف البعض مبررات أخرى أدت إلى تبنى المنظمات فكرة التوجه نحو قياس الأداء المتوازن وهى: (41)

مدخل قياس الأداء المتوازن يضع إطار لوصف إستراتيجية المنظمة ويربط بين الأصول الملموسة وغير الملموسة لخلق قيمة للمنظمة. فمدخل قياس الأداء المتوازن لا يحاول خلق قيمة من الأصول غير الملموسة فقط ولكن يقيس هذه الأصول. ويستخدم قياس الأداء المتوازن الخرائط الإستراتيجية التى تبين علاقات السببية لتوضيح كيف تتكامل الأصول غير الملموسة مع الأصول الأخرى لخلق قيمة للعميل وتحقيق النتائج المالية المرغوبة.

6- نظم الرقابه أصبحت الآن فى غاية الأهمية للربط بين تنفيذ الإستراتيجية وتعديلها. ففى الماضى كان هناك إنطباع بأن الإستراتيجية يمكن أن تنفذ بنجاح بدون تعديل أو تصحيح، ولكن هذه الرؤية تغيرت الآن فالسبب الرئيسى فى عملية القياس هو تحديد كيف ومتى يحدث تغيير فى الخطة. ومقاييس الأداء متعددة الأبعاد تعتبر قلب نظام الرقابة الإستراتيجية الفعالة. فهى تمدها بأسس التعلم التنظيمى من خلال تحليل نتائج أداء المنظمة. وهناك اهتمام بمداخل قياس الأداء متعددة الأبعاد، ومدخل قياس الأداء المتوازن هو أحد هذه المداخل، يقدم أربعة محاور أساسية تساعد المدير فى تحديد مقاييس للإستراتيجية وقياس العناصر الملموسة وغير الملموسة.

7- و نظام قياس الأداء يهدف إلى تحسين أداء الإدارة وليس التركيز على الإجراءات التى تتم لتقييم العلاقة بين إستراتيجية المنظمة والخطط التكتيكية اللازمة لتحقيق الأهداف. من هنا جاء الإهتمام بمدخل قياس الأداء المتوازن الذى يعرض مؤشرات الأداء والتى تؤثر بشكل مباشر على العاملين والمديرين، وعلى هذا تشجع التغيير فى السلوك والأنشطة لتحقيق إستراتيجيات المنظمة. والمؤشرات المستخدمة فى مدخل قياسلاالأداء المتوازن تركز على مدى تطوير العاملين، كفاءة العمليات
الداخلية، رضاء العميل، والأداء المالى فى الأجل الطويل. وقياس نتائج الأداء فى نظم قياس الأداء الأخرى تسمى المؤشرات اللاحقة Lagging indicators لأنها تقيس الأعمال التى تمت. بينما محركات الأداء فى قياس الأداء المتوازن تسمى
المؤشرات المستقبلية leading Indicators لأنها تقيس بناء القدرات لتحسين الأداء وتركز على محركات الأداء فى المستقبل.
كما أن مدخل قياس الأداء المتوازن يربط مقاييس النتائج بمحركات القياس مما يساهم فى تطوير و تحسين الأداء.(42)

 

ويتضح أيضا من خلال الدراسات أن المقاييس التقليدية تعطى إشارات مضللة لا تساعد المنظمة فى تحقيق التحسين والإبتكار، و تجعل توقعات المديرين حول المقاييس التشغيلية غير واقعية نظرا لإعتمادها بشكل أساسى على المقاييس المالية. والمديرون بحاجة إلى القدرة على رؤية الأداء من مختلف الأبعاد وبشكل متزامن. ومن هنا جاء التركيز على إستخدام المؤشرات غير المالية مع المؤشرات المالية.  (43)
وقياس الأداء المتوازن هو نظام متكامل لقياس الأداء الحالى مع التركيز على محركات الأداء فى المستقبل، كما يركز على قياس النواحى المالية و غير المالية، ويعمل على تزويد المديرين فى المنظمات بالنظرة الواقعية لما يحدث داخل وخارج المنظمة. والخصائص الرئيسية التى تميز مدخل قياس الأداء المتوازن هى كونه يتضمن
مقاييس واضحة ترتبط برسالة وإستراتيجية المنظمة لدفع الجهود تجاه تحقيق الأهداف. أيضا يعتبر قياس الأداء المتوازن أداة قياس إستراتيجية وليس نظاما لمراقبة الأداء بعد حدوثة. وعلى ذلك فإن مدخل قياس الأداء المتوازن الفعال يحقق التوازن بين المقاييس التشغيلية والمقاييس الإستراتيجية.(44)

والأساس فى مدخل قياس الأداء المتوازن هو إستخدام مجموعة متكاملة من المقاييس والمؤشرات الخاصة بالأداء، تضم مؤشرات مالية ومؤشرات غير مالية لتبين الجوانب المختلفة لقدرة المنظمة على الأداء، وتحقيق أهدافها الإستراتيجية بشكل متوازن من خلال التركيز على المحاور الأربعة التالية:

المحورالمالى Financial Prospective :
ويركز على إستراتيجية النمو والربحية ورؤية أصحاب المصلحة للمنظمة.

محور العميل Customer Prospective
 يركز على إستراتيجية خلق القيمة للعميل وكيف تبدو المنظمة من منظور العميل.

محور العمليات الداخلية Internal Process Prospective
  ويركز على الأولويات الإستراتيجية لمختلف العمليات والتى تحقق الرضاء للعملاء وأصحاب المصلحة.، ويهتم بالعمليات التى تتفوق فيها المنظمة.

ويشيرKaplan and Norton إلى أن مقاييس الأداء التي يتضمنها مدخل قياس الأداء المتوازن تختلف عن مقاييس الأداء التى تتضمنها مداخل قياس الأداء الحالية ويمكن توضيح هذا الإختلاف فى النقاط التالية (45)

1- مقاييس الأداء فى مدخل قياس الأداء المتوازن يتم تحديدها على أساس الأهداف الإستراتيجية للمنظمة ومتطلبات البيئة التنافسية التى تعمل بها، فالمقاييس تعكس الرؤية والإستراتيجية والتى يعبر عنها فى المحاور الأربعة للنموذج.

2- مقاييس الأداء فى مدخل قياس الأداء المتوازن تعتبر عنصرا أساسيا لمتابعة مدى نجاح المنظمة فى تنفيذ إستراتيجيتها، وهذا على عكس ما تقوم به نظم قياس الأداء المتعارف عليها حيث يقتصر دورها على نتائج الماضى دونما أن تحدد إمكانية التحسين والتطوير فى المستقبل.

3 – المعلومات التى يوفرها مدخل قياس الأداء المتوازن من خلال محاوره الأربعة تعمل على تحقيق التوازن بين مصلحة الأطراف الداخلية والخارجية، وبالتالى تحقيق أهداف المنظمة دون أن يؤثر ذلك على العوامل الجوهرية التى تتعلق بنجاح المنظمة.

4-يتصف مدخل قياس الأداء المتوازن بالمرونة حيث تنقل الأولويات الإستراتيجية فى المنظمة إلى مختلف المستويات الإدارية، كما يمكن المنظمة من إحداث التعديل والتغيير فى هذه المقاييس بما يتلائم مع ظروف المنظمة.

المميزات التى يحققها مدخل قياس الأداء المتوازن فى المنظمات:

بينت إحدى الدراسات التى تم تنفيذها على المنظمات التى طبقت مدخل قياس الأداء المتوازن بأنه أداة إدارية هامه يستخدمها مجلس الإدارة، وتمكن كل فرد من أفراد المنظمة من تحقيق الحاجات والمتطلبات لمختلف أصحاب المصلحة ( المتعاملين مع المنظمة). وعلى الرغم من أن هناك بعض الصعوبات التى تظهر عند التطبيق العملى إلا أن هذا المدخل يحقق كثيرا من المميزات.(46)

وقد تبنت العديد من المنظمات مدخل قياس الأداء المتوازن ومن خلال خبرة لهذه المنظمات فى تطبيق هذا المدخل يتبين أنه يحقق الميزات التالية: (47)

1- يمكن المنظمة أن تقدم فى تقرير واحد معلومات عن الأولويات التى يجب أن تهتم بها المنظمة: توجهات العميل، تحسين الجودة، التركيز على فرق العمل، تخفيض وقت تقديم الأصناف الجديدة فى الأسواق، وتخفيض الوقت المطلوب لتنفيذ العمل ، والتركيز على العمل الجماعى.

2- يعمل هذا المدخل على تحقيق تحسن كبير فى الأداء من خلال تشجيع المديرين على الأخذ فى الإعتبار كل المقاييس التشغيلية، وبالتالى التأكد من أن التحسين والتطوير فى أحد المجالات لم يتحقق على حساب مجال أخر.

3- يترجم قياس الأداء المتوازن رؤية المنظمة وإستراتيجيتها فى مجموعة مترابطة من مقاييس الأداء، تضم مقاييس المخرجات ومحركات الأداء لهذه المخرجات، وبالتالى يساعد فى الربط بين المخرجات ومحركات الأداء، ويساعد المديرين فى توجيه الطاقات والقدرات والمعلومات لتحقيق أهداف المنظمة بدرجة عالية من الكفاءة والفعالية.

4- قياس الأداء المتوازن ليس أسلوبا للرقابة التقليدية ولكنه نظام للمعلومات لأن المقاييس المستخدمه فيه هى نتيجة لترجمة رؤية وإستراتيجية المنظمة.

5- وقياس الأداء المتوازن ليس نظاما تشغيليا للقياس فمعظم المنظمات تستخدمه كنظام للإدارة الإستراتيجية لإدارة إستراتيجيتها فى المدى الطويل. فهى تستخدم قياس الأداء المتوازن لإنجاز عملياتها الهامه.

كما يضيف البعض عددا من النقاط الهامه التى تعتبر من الميزات التى يحققها تطبيق مدخل قياس الأداء المتوزان: (48)

6- يحدد مدخل قياس الأداء المتوازن توجهات المنظمة وإستراتيجيتها نحو الأسواق والعميل.

7- يسهل مراقبة وتقييم إستراتيجية المنظمة، وبالتالى التأكد من أن عملية التنفيذ تتم بشكل سليم.

8- يساعد فى تفعيل آليات التعاون والتنسيق داخل المنظمة.

9- يساعد فى تحقيق المساءلة عن الأداء فى كل مستويات المنظمة.

 

يمكن الحصول على البحث من هنا  قياس الأداء المتوازن وفلسفة إدارة الأداء في القطاع الحكومي

Author: د. عبدالرحيم محمد عبدالرحيم

دكتور عبدالرحيم محمد عبدالرحيم استشاري التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي والتدريب عضو هيئة تدريس (منتدب) – كلية المجتمع – دولة قطر drabdo68@yahoo.com www.dr-ama.com

Share This Post On