الأزمة الصامتة داخل مكان العمل Quit Cracking

الأزمة الصامتة داخل مكان العمل Quit Cracking

دكتور

عبدالرحيم محمد

مستشار التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي

عضو هيئة تدريس (منتدب) كلية التجارة والأعمال – جامعة لوسيل

drabdo68@yahoo.com

يشير هذا المفهوم إلى تآكل  وانخفاض تدريجي في دافعية الموظف وصحته النفسية رغم استمراره في أداء مهامه اليومية. فهو لا يتوقف عن العمل، لكنه يؤدي واجباته بروح مثقلة بالإرهاق والعزلة وفقدان الحافز. تعد هذه الحالة بمثابة مرحلة انتقالية بين الشعور المؤقت بالانزعاج وبين الوصول إلى مرحلة الاحتراق النفسي الكامل ، حيث يبدأ الأداء في التراجع والعلاقات المهنية في الاضطراب ،  لكن كل ذلك يحدث بهدوء ودون مؤشرات صاخبة.

ولهذا ينبغي على القيادات الإدارية في المؤسسات أن تفرق بوضوح بين ظاهرة الأزمة الصامتة   Quiet Cracking  وبين التراجع المؤقت في الإنتاجية. فهذه الحالة لا تنشأ صدفة، بل ترتبط  كما تظهر الأبحاث والدراسات المهنية  بعوامل تنظيمية عميقة مثل غياب الدعم من القادة، وضغط العمل المستمر، ونقص فرص التدريب، وعدم وضوح المسؤوليات الوظيفية.

وقد وصف تقرير    TalentLMS بعنوان  Quiet Cracking: A Hidden Workplace Crisis  يعد من أبرز الدراسات الحديثة التي تناولت ظاهرة  الأزمة الصامتة داخل مكان  العمل، تم اجراء  البحث في مارس 2025، وشمل عينة من 1,000 موظف أمريكي، بهدف استكشاف أسباب تراجع الانخراط الوظيفي وتدهور الصحة النفسية داخل بيئات العمل. ووفقًا للتقرير، يعرف الأزمة لاصامتة داخل مكان العمل  بأنها شعور مستمر بعدم الرضا الوظيفي، يؤدي إلى تراجع الأداء و ضعف الالتزام وزيادة الرغبة في الاستقالة. وقد أظهرت النتائج أن 54% من الموظفين يعانون من هذه الظاهرة بدرجات متفاوتة، في حين يُعاني 20% منهم منها بشكل متكرر أو دائم.

كما بين أن أحد العوامل الرئيسية المرتبطة بالأزمة الصامتة داخل مكان  العمل هو نقص التدريب والتطوير المهني. فالموظفين الذين لم يتلقوا تدريبًا خلال العام الماضي كانوا أكثر عرضة بنسبة 140% للشعور بعدم الأمان الوظيفي. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت البيانات أن الموظفين الذين يعانون من الأزمة الصامتة داخل مكان  العمل كانوا أقل احتمالًا بنسبة 29% لتلقي التدريب، وأقل احتمالًا بنسبة 68% للشعور بالتقدير والاعتراف في العمل.

تشير هذه النتائج إلى أن الأزمة الصامتة داخل مكان  العمل  ليس مجرد انخفاض مؤقت في الإنتاجية، بل هو مؤشر على تحديات تنظيمية أعمق تتطلب تدخلا استراتيجيا. من خلال معالجة هذه القضايا و يمكن للمؤسسات تحسين بيئة العمل، وتعزيز رفاهية الموظفين، والحفاظ على مستويات عالية من الانخراط والإنتاجية.

 كما أكدت دراسات Gallup أن انخفاض مستويات الانخراط الوظيفي يزيد بشكل مباشر من احتمال تحول الإحباط المزمن إلى انهيار نفسي ومهني فعلي يؤثر في قدرة الموظف على الاستمرار والإنتاج.

ولعلاج هذه الظاهرة والحد منها في مجال العمل يجب التركيز على الدعم والشفافية المقدم من القيادة العليا، فوجود قادة يتواصلون بانتظام مع موظفيهم مع تحديد  وفهم توقعاتهم بوضوح وتوفير الدعم المهني و النفسي يعتبر عنصرا جوهريا للتعامل مع  الأزمة الصامتة في مكان العمل.  ويجب على القائد أن ينصت ويتعاطف  مع موظفيه ، وهذا يعتبر خط الدفاع الأول ضد الإرهاق والتراجع المعنوي، بينما غياب هذا النوع من القيادة يسهم في تعميق الفجوة بين الموظف والمؤسسة، ويجعل المشكلات تتفاقم دون أن تكتشف مبكرا.

كما يتطلب التعامل مع هذه الظاهرة   بناء برامج التنمية وبناء المهارات، و تشير الدراسات  الحديثة منها دراسة صادرة عن المعهد البريطاني Chartered Institute of Personnel and Development   عام 2023  أن هناك ربط بين  نقص التدريب وضعف الشعور بالكفاءة الذاتية لدى الموظف، ما يؤدي إلى توليد إحساس بالعجز والملل، ثم فقدان الحافز تدريجيا. لذا يجب على المؤسسات ألا تنظر إلى التدريب كإجراء شكلي، بل كوسيلة استراتيجية لتمكين الأفراد وتجديد طاقاتهم الفكرية والمهنية. الموظف الذي يشعر بأنه يتطور باستمرار ويستثمر في قدراته، يكون أكثر قدرة على مقاومة الضغوط النفسية والتحديات اليومية.

هذا بالإضافة إلى أن التركيز  على سياسات العمل المرنة والصحية أمرا مهما ،  فوجود  جداول العمل وتخصيص فترات راحة مجدولة وتوفير موارد للدعم النفسي هذه  كلها ممارسات أثبتت فعاليتها في تقليل حالات الإرهاق والاحتراق النفسي. وقد أظهرت تقارير موثقة، من بينها تقرير HR Dive، أن المؤسسات التي تبنت سياسات مرنة للرعاية الوظيفية شهدت انخفاضا ملموسا في معدلات الغياب والشكوى، وتحسنا ملحوظا في مستويات الرضا والانتماء.

يتضح مما سبق أن الأزمة الصامتة داخل مكان العمل هي  انعكاس لثغرات هيكلية وثقافية حقيقية داخل المنظمات. وبالتالي يجب على المنظمات ان تتعامل معه باعتباره إشارة إنذار مبكر وليست مشكلة فردية، وهذا يساعدها  على استباق الأزمات والحفاظ على تماسكها وقدرتها على الابتكار والاستمرارية. ولتحقيق ذلك، ينصح بقياس مؤشرات الرفاه والانخراط الوظيفي بشكل منتظم، وإنشاء قنوات اتصال آمنة وسرية تتيح للموظفين التعبير عن ضغوطهم ومخاوفهم.

الأزمة الصامتة داخل مكان العمل Quit Cracking المقالة هنا

Author: د. عبدالرحيم محمد عبدالرحيم

دكتور عبدالرحيم محمد عبدالرحيم استشاري التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي والتدريب عضو هيئة تدريس (منتدب) – كلية المجتمع – دولة قطر drabdo68@yahoo.com www.dr-ama.com

Share This Post On

جرّب الإصدار الجديد للموقع الرسمي للدكتور عبدالرحيم محمد

X