العقل القيادي ، كيف تساعد مبادئ العقل “ايمانويل كانت” الفلسفية على اتخاذ قرارات إدارية فعالة

العقل القيادي

كيف تساعد مبادئ العقل  “ايمانويل كانت” الفلسفية على اتخاذ قرارات إدارية فعالة

دكتور

عبدالرحيم محمد

مستشار التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي

عضو هيئة تدريس (منتدب) كلية التجارة والأعمال- جامعة لوسيل

drabdo68@yahoo.com

 

في ظل تعقيدات العمل المؤسسي المتسارعة، حيث تتداخل الاعتبارات القيمية مع آليات اتخاذ القرار، لم تعد الأساليب الإدارية التقليدية وحدها قادرة على صياغة قيادة لها رؤية مستنيرة  وفعالة. هذا الواقع يدفع إلى استحضار الفلسفة بوصفها منهجا عمليا للتفكير واتخاذ القرار، لا مجرد نظريات مجردة. وفي هذا السياق، تكتسب مبادئ الفيلسوف الألماني (إيمانويل كانت)، والمتمركزة حول العقل الأخلاقي، أهمية استثنائية لقادة اليوم. فقد طرح كانت ثلاث مبادئ  تصلح إطارا مرجعيا للقيادة الواعيةفكر بذاتك  (الاستقلالية الفكرية)، وفكر بمنظور الآخرين  (التعاطف والشمولية)، و فكر بتناغم مع مبادئك (الالتزام الأخلاقي). تقدم هذه المبادئ رؤية متكاملة لصناعة قرارات متوازنة، تجمع بين الحكمة والإنسانية، وهو ما سنستعرضه عبر تحليلها في سياق البيئة الإدارية المعاصرة.

المبدأ الأول:  فكر بنفسك – التحرر من التلقين الإداري

يعني هذا المبدأ أن المدير لا ينبغي أن يكون تابعا لأفكار سابقة أو مقلدا لقرارات من سبقوه فقط، بل يجب أن يكون مفكرا مستقلا. في الإدارة، كثيرا ما يمارس المدير النسخ  الإداري  ويقصد به  اتباع  نماذج جاهزة أو أساليب مألوفة دون نقد أو تحليل. على سبيل المثال  شركة تواجه انخفاضا في الإنتاجية، قد يقترح البعض اعتماد سياسة تقليدية بالضغط على الموظفين وزيادة ساعات العمل. والقائد الذي يفكر بنفسه، سيتساءل: هل هذا هو الحل الفعلي؟ أم أن هناك عوامل أعمق تتعلق بالثقافة التنظيمية أو ضعف التحفيز؟. و التفكير المستقل يجعله يبحث عن جذور المشكلة، لا عن حلول سطحية.

 المبدأ الثاني:  فكر من مكان الآخرين – التقمص الإداري والتفكير التشاركي

هذا هو مبدأ “العقل العام”، الذي يدعو فيه (كانت)  إلى التفكير كما لو كنت في مكان غيرك. وفي الإدارة يرتبط هذا بما يعرف اليوم بالذكاء العاطفي والتعاطف القيادي.
ولتوضيح هذا المبدأ افترض أنه  أثناء إعداد خطة إعادة هيكلة قد  يتضح أنها تؤدي إلى تقليص بعض الوظائف، وعلى المدير ألا ينظر فقط إلى الأرقام، بل أن يضع نفسه مكان الموظفين المتأثرين. كيف ستستقبل القرارات؟ ما الرسالة التي سترسلها؟ كيف يمكن تقليل الأثر السلبي لهذا القرار؟ هذا التفكير يخلق حلولا أكثر توازنا وإنسانية، مثل توفير تدريبات انتقالية أو بدائل داخلية مثل إعادة التدريب وتغيير الوظيفة.

المبدأ الثالث: فكر بما يتسق مع ذاتك – الانسجام الأخلاقي والإداري

هذا المبدأ يهتم  بالاتساق بين الفعل والمبدأ، أي أن التصرف يكون  وفق مبادئ يمكن تعميمها عالميا. في عالم الإدارة، حيث الإغراءات كبيرة، يواجه المدير تحديات أخلاقية تتطلب منه أن يسأل نفسه: هل هذا القرار يتماشى مع قيمي ومبادئي؟ وهل يمكنني الدفاع عنه أمام الفريق والمجتمع؟. مثلا مدير مشروع يتلقى عرضا لإنهاء العمل قبل الوقت مقابل تجاهل بعض معايير الجودة. قد يبدو العرض مغريا، لكن التفكير بما يتسق مع الذات يدفع القائد لرفض ذلك حفاظا على المبدأ، لأن الجودة والشفافية جزء من هوية المؤسسة.

مما سبق ومن خلال المبادئ الثلاثة  يتضح أن دمجها في العمل الإداري لا يعني تعقيد القرارات، بل تهذيبها. هو دعوة إلى عقل إداري ناضج، لا يكتفي بإدارة المهام، بل يقود الضمائر ويؤسس لثقافة قائمة على النقد، والتعاطف، والاتساق.

المقالة هنا:  العقل القيادي ومبادىء كانت

Author: د. عبدالرحيم محمد عبدالرحيم

دكتور عبدالرحيم محمد عبدالرحيم استشاري التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي والتدريب عضو هيئة تدريس (منتدب) – كلية المجتمع – دولة قطر drabdo68@yahoo.com www.dr-ama.com

Share This Post On

جرّب الإصدار الجديد للموقع الرسمي للدكتور عبدالرحيم محمد

X