كيف يشكل التحول الرقمي الإدارة الحديثة؟

كيف يشكل التحول الرقمي الإدارة الحديثة؟

دكتور

عبدالرحيم محمد

مستشار التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي

عضو هيئة تدريس ( منتدب) كلية التجارة والأعمال – جامعة لوسيل

drabdo68@yahoo.com

يشهد عالم الأعمال تغييرا كبيرا وتعقيدا متزايدا، ويعد التحول الرقمي أحد أهم المحركات التي تقود هذا التغيير. ولهذا تتبنى الشركات تقنيات جديدة لتحسين عملياتها وتطوير تجارب عملائها  وتعزيز ميزاتها التنافسية. لكن تأثير التحول الرقمي يتجاوز هذه  التكنولوجيا لأنه يعيد  تشكيل الأساس الذي تقوم عليه ممارسات الإدارة الحديثة.

ويعمل  التحول الرقمي على  دمج التقنيات الرقمية في جميع مجالات العمل، مما يغير بشكل جذري كيفية إدارة  الشركات وتقديم القيمة للعملاء. ولا يتعلق الأمر فقط بتبني أدوات أو برامج جديدة،  بل هو إعادة التفكير في فلسفة  الشركة تجاه استراتيجياتها وثقافتها وقيادتها ومشاركة موظفيها. وهذا فرض على الإدارة واقعا جديدا بما فيه من فرص وتحديات ، مما يتطلب تغيير في العقلية المؤسسية لقيادة الشركات حتى تستطيع مواجهة وإدارة التغيير في هذه الفترة.

يشير التحول الرقمي إلى عملية دمج التقنيات الرقمية في جميع جوانب المنظمة، مما يؤدي إلى تغيير جذري في كيفية عملها و تقديم القيمة للعملاء  والتفاعل مع أصحاب المصلحة. ويتجاوز التحول الرقمي مجرد تبني أدوات أو تقنيات جديدة،  فهو يتطلب تحولا ثقافيا داخل المنظمة لتبني الابتكار المستمر و المرونة  والتكيف مع المشهد الرقمي.

وحتى يمكن فهم كيفية تأثير التحول الرقمي على الإدارة، من المهم تحديد عناصره الأساسية. فالتحول الرقمي يتبني تقنيات متنوعة مثل الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي والحوسبة السحابية وتحليلات البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء (IoT) والأتمتة، هذا التقنيات تمكن المؤسسات من تبسيط عملياتها، وخفض التكاليف و زيادة الكفاءة والحصول على رؤى فورية حول عملياتها.

ومع ذلك، فإن نجاح التحول الرقمي لا يعتمد فقط على التكنولوجيا، بل هناك ضرورة التوافق الاستراتيجي  من خلال التأكد من أن الاستثمارات التكنولوجية تتماشى مع الأهداف طويلة الأجل للمؤسسة. كما يشمل التغيير الثقافي من خلال  تغيير العقلية التنظيمية نحو المرونة  والابتكار  والتحسين المستمر. أيضا هناك دورا للقيادة من خلال العمل  على تعزيز ثقافة تبني التقنيات الرقمية  وتشجيع الابتكار وتزويد الموظفين بالمهارات التي يحتاجون إليها للنجاح في البيئة الرقمية.

في العصر الرقمي، لم تعد مسؤوليات المديرين تقتصر على الإشراف على الوظائف التقليدية للأعمال، ولكن يجب أن يتميز القادة في المؤسسة بالرؤية  التي تمكنهم من  القدرة على التنبؤ والتكيف مع التحولات في السوق.و هناك ضرورة لتحسين اتخاذ القرار من خلال تحسين جودة البيانات، لأن أحد أكبر مزايا التحول الرقمي هو الكم الهائل من البيانات المتاحة عن المنافسين والعملاء وهذا يمكن القادة في المؤسسة  من  الوصول إلى بيانات لحظية حول كل شيء من سلوك العملاء إلى الأداء التشغيلي، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات أكثر دقة ورشدا.

ويمكن للمؤسسات  استخدام أدوات  التحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل كميات ضخمة من البيانات وتحديد الأنماط والاتجاهات التي يستحيل على البشر اكتشافها يدويا. وهذا يسمح للمديرين باتخاذ قرارات تنبؤية، مثل التنبؤ بالطلب  وتحديد المخاطر المحتملة  وتحسين سلاسل التوريد . هذا بالإضافة إلى أن  التحولات الثقافية في مكان العمل أصبحت أمرا ضروريا وخاصة  مع ظهور الأدوات والمنصات الجديدة التي تتطلب تغيير  كيفية عمل الموظفين وتعاونهم وتواصلهم.

إن عملية  تعزيز ثقافة الابتكار في العصر الرقمي أصبحت مطلبا أساسيا لنجاح التحول  وعلى إدارة المؤسسة تشكيل بيئة تشجع على التجربة والمخاطرة من خلال دعم الموظفين لاستكشاف أفكار جديدة تساهم في التطوير والتحسين ومواجهة  التغيير.   كما يجب على المؤسسة تمكين الموظفين بالمهارات الرقمية لمواكبة المتغيرات ومواجهة المنافسة ، وهذا يتطلب من القادة تطوير الوعي الرقمي للعنصر البشري ، وتعتبر  برامج التدريب وورش العمل والمبادرات التعليمية المستمرة ضرورية لتزويد الموظفين بالأدوات التي يحتاجونها للنجاح في بيئة العمل الرقمية.

 ويجب على إدارة المؤسسة أن تتبني فلسفة الإدارة المتمركزة حول العميل . ويمكن تبني هذه الفلسفة من خلال  الاستفادة من المنصات المختلفة التي توفر بيانات العملاء ، هذه البيانات تساهم في فهم أعمق لاحتياجات العملاء وتفضيلاتهم والمشكلات التي يعانون منها. وهذا يساهم في  تطوير استراتيجيات تسويق مستهدفة و تحسين خدمة العملاء  وابتكار منتجات وخدمات تتماشى بشكل أفضل مع طلبات العملاء. كما يجب على المؤسسة بناء قنوات تواصل فعالة مع العملاء من خلال  وسائل التواصل الاجتماعي من خلال  دمج هذه القنوات في استراتيجيات تفاعل العملاء، لضمان إمكانية وصول العملاء إلى الدعم والمعلومات في أي وقت، ومن أي مكان.

و رغم أن التحول الرقمي يقدم العديد من الفوائد، إلا أن هناك  تحديات ومخاطر يجب على المؤسسة  التعامل معها ، فمن المتوقع أن المؤسسات ستكون   أكثر عرضة للهجمات السيبرانية وانتهاكات البيانات. وبالتالي  يجب على المؤسسة توفير تدابير أمن سيبراني قوية . ومن التحديات التي تواجه التحول الرقمي هي إحداث تغييرات كبيرة في الهيكل التنظيمي والعمليات والثقافة المؤسسية. وبالتالي على المؤسسة  توضيح فوائد التحول الرقمي ومعالجة المخاوف بشكل واضح ومشاركة الموظفين في خطوات التحول.

التحول الرقمي ليس مجرد  تحول من وضع إلى آخر،  ولكنه  تحول جذري في كيفية عمل المؤسسات ، فهو  واقع جديد يتضمن فرصا وتحديات. وللاستفادة من الفرص ومعالجة التحديات  يجب على المؤسسات أن تتبني نهجا أكثر مرونة يعتمد على البيانات في اتخاذ القرارات  وتعزيز ثقافة الابتكار وتمكين الموظفين  وصقل مهاراتهم الرقمية اللازمة لنجاح هذا التحول.

المقالة من هنا كيف يشكل التحول الرقمي الإدارة الحديثة؟

Author: د. عبدالرحيم محمد عبدالرحيم

دكتور عبدالرحيم محمد عبدالرحيم استشاري التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي والتدريب عضو هيئة تدريس (منتدب) – كلية المجتمع – دولة قطر drabdo68@yahoo.com www.dr-ama.com

Share This Post On