الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية: دور الشركات في بناء مستقبل أفضل
دكتور
عبدالرحيم محمد
استشاري التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي
عضو هيئة تدريس (منتدب) كلية المجتمع
تعتبر الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية أمورًا لا غنى عنها في عالم الأعمال. تسعى الشركات اليوم إلى تحقيق النجاح ليس فقط من خلال تحقيق الأرباح، ولكن أيضا من خلال تأثيرها الإيجابي على المجتمع والبيئة. في هذه المقالة، سنتناول مفهومي الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، والتركيز على دور الشركات في تعزيزهما وتطبيقهما في اعمالها بشكل دائم.
يقصد بالاستدامة القدرة على تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون الاضرار باحتياجات الأجيال القادمة. بعبارة أخرى فإن الاستدامة تعني العيش والعمل بطريقة تضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة للأجيال القادمة.
أما مفهوم المسؤولية الاجتماعية Social Responsibility تعني الالتزام الذي تتحمله الشركات تجاه المجتمع والبيئة من خلال أداء أعمالها بطريقة تؤدي إلى التنمية المستدامة وتحقيق الفوائد الاجتماعية والبيئية إلى جانب الاقتصادية.
أهمية الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في الأعمال:
يمكن تحديد أهمية الاستدامة والمسؤولية فيما يلي:
تحسين سمعة الشركة: تلعب الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية دورًا هامًا في تحسين سمعة الشركة وصورتها الذهنية في السوق، حيث يفضل المستهلكون والعملاء التعامل مع الشركات التي تهتم بالبيئة والمجتمع.
جذب المواهب والموظفين الموهوبين: تعتبر الشركات التي تمارس الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية مكانا لجذب الموهب والموظفين الموهوبين الذين يبحثون عن أماكن تظهر قدراتهم وإمكانياتهم وليس مجرد مكان للحصول على راتب. فهى في الساس تعمل على تشكيل وتنمية رأس المال الفكري.
الحفاظ على الموارد الطبيعية: تساهم الاستدامة في الحفاظ على الموارد الطبيعية مثل المياه والهواء والتربة، وهو أمر يعود بالفائدة على الجميع. فهي تساعد في حماية المجتمع والبيئة من التلوث والمحافظة على الثروات والامكانيات وخاصة المواد غير المتجددة.
تحقيق التنمية المستدامة: تلعب الشركات دورًا حيويًا في تحقيق التنمية المستدامة من خلال دعم المشاريع الاجتماعية والبيئية التي تساهم في تحسين حياة الناس والبيئة.
تطبيق الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في الشركات:
يمكن تطبيق الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية بأكثر من اتجاه منها:
تكامل الاستدامة في الإدارة: يجب أن تكون الاستدامة جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الشركة وتكون مدمجة في جميع جوانب إدارتها.
تطوير المنتجات والخدمات المستدامة: تعمل الشركات على تطوير منتجات وخدمات تأخذ في الاعتبار العواقب البيئية والاجتماعية لتلك الأعمال.
الالتزام بمعايير العمل الجيدة: يجب أن تكون الشركات ملتزمة بمعايير العمل الجيدة وضمان سلامة وصحة الموظفين والعمل اللائق.
الشفافية والتقارير: يجب أن تكون الشركات شفافة فيما يتعلق بجهودها في مجال الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، ويمكنها تقديم تقارير دورية توضح تقدمها ونتائج جهودها.
تشجيع المشاركة المجتمعية: تعتبر المشاركة المجتمعية والعمل التطوعي جزءًا مهمًا من المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث يمكن للشركات المشاركة في مشاريع تنموية واجتماعية في المجتمعات التي تعمل فيها.
وهناك الكثير من الأمثلة للشركات في تطبيق الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية منها شركة باتاغونيا وهى واحدة من الشركات الرائدة في مجال الاستدامة، حيث تهتم بالحفاظ على البيئة وتطوير منتجات صديقة للبيئة. شركة بروكتر آند جامبل: تعمل على تحقيق الاستدامة من خلال تخفيض الانبعاثات الكربونية للمحافظة على المناخ وحماية البيئة والاستثمار في مشاريع التنمية المستدامة. شركة مايكروسوفت من الشركات الرائدة في مجال المسؤولية الاجتماعية، حيث تسعى لتوفير فرص عمل متساوية وتقنيات مبتكرة للتنمية المستدامة.
التحديات والتطلعات المستقبلية الاستدامة و المسؤولية الاجتماعية :
التحديات: تواجه الشركات العديد من التحديات في تطبيق الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية منها ، زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الحفرية والانبعاثات الكربونية. التحديات الاقتصادية والمتمثلة في التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي و الفقر وعدم المساواة في التوزيع العادل للثروات. و التحديات الاجتماعية والبشرية وتتمثل في زيادة عدد السكان وضغوط النمو السكاني و انتشار الأمراض والأوبئة والأمراض غير المعدية.. التحديات السياسية والتشريعية وتشمل عدم وجود إطار تشريعي فعال للحماية البيئية و الصراعات السياسية والحروب والتدخلات الخارجية. التحديات التكنولوجية: وتتمثل في عدم توفر التكنولوجيا البديلة النظيفة والمستدامة. وكذلك التحديات التي تواجه التنمية التكنولوجية في المجتمعات النامية. التحديات الثقافية والتربوية وتشمل تغير الأنماط الثقافية والتفكير التقليدي حول البيئة والتنمية المستدامة. وكذلك عدم التوعية والتثقيف بأهمية الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية. تلك التحديات تتطلب جهوداً مشتركة من الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص للتصدي لها وتحقيق التنمية المستدامة. تتطلب الحلول الفعالة لهذه التحديات تنسيقًا دوليًا قويًا وتعاونًا عابرًا للحدود لتبادل المعرفة والتكنولوجيا والموارد، بالإضافة إلى إدارة مستدامة للموارد وتعزيز التوعية والتثقيف.
التطلعات المستقبلية من المتوقع أن تشهد مفاهيم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية تطورات وتحولات مهمة نتيجة لتغيرات في البيئة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. من بين التطلعات المستقبلية للإستدامة والمسؤولية الاجتماعية: تكامل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لأنه من المتوقع أن يزداد التركيز على تكامل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في استراتيجيات الأعمال، حيث ستتطلب الشركات أن تكون مستدامة اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا. الابتكار والتكنولوجيا النظيفة سوف تشهد التكنولوجيا المستدامة والنظيفة تطورات ملحوظة، مما سيسهم في تقديم حلول جديدة ومبتكرة لتحقيق الاستدامة في مختلف القطاعات.الاستثمار المستدام: سيزداد اهتمام المستثمرين بالاستثمار في الشركات والمشاريع التي تتبنى مبادئ الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، مما سيعزز دور الاستدامة في صناعة القرارات الاستثمارية. التشريعات واللوائح البيئية من المتوقع أن تشهد اللوائح والتشريعات البيئية تشديدًا، مما سيضع مزيدًا من الضغط على الشركات لتكون مستدامة ومسؤولة اجتماعيًا. التحول نحو الاقتصاد الأخضر من المتوقع أن يتسارع التحول نحو الاقتصاد الأخضر، حيث ستزداد الجهود لتعزيز الاستخدام المستدام للموارد وتحقيق التنمية المستدامة. الشفافية والتقارير: من المتوقع أن تزداد أهمية الشفافية وتقديم التقارير المستدامة التي توضح جهود الشركات في مجال الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية.
في النهاية، تعتبر الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية أمورًا حيوية للشركات في عصرنا الحالي، حيث تساهم في بناء علاقات أفضل مع العملاء والمجتمعات وحماية البيئة وتحقيق النمو المستدام.
المقالة من هنا الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية