فسلفة حل المشكلات
دكتور عبدالرحيم محمد
استشاري التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي
نبدأ بهذه القصة، كان هناك رجل أعمى يجلس على جانب الطريق، وقد وضع بجانبه لوحة مكتوب عليها أنا أعمى أرجوكم ساعدونى، وتصادف مرور شخص يعمل فى مجال تصميم الإعلانات، فوقع نظره على هذا الرجل وقرأ ما هو مكتوب على اللوحة، ولاحظ أن الناس لا تضع أى نقود فى الصندوق الصغير الموجود بجوار الرجل الأعمى، من هنا فكر وبسرعة وغير ما هو مكتوب على اللوحة الموجودة بجانب الرجل الأعمى، ولاحظ الأعمى أن هناك زيادة فى النقود فى الصندوق الموجود بجانبه، وأن الناس يضعون النقود فى الصندوق، وكان قبل قليل شعر بحركة بجانبه بجوار اللوحة، فنادى أحد المارة وقال له، كانت هنا لوحة بجانبى، هل هى موجودة، قال له نعم، ومكتوب عليها "نحن فى فصل الربيع ولكننى لا أستطيع أن أستمتع بجماله"، فقد استبدل مصصم الإعلانات الكلام القديم بكلام جديد، وبالتالى كانت النتيجة إيجابية، والحكمة هنا ، "غير وسائلك عندما تكون الحياة على غير ما يرام"
عندما نواجه بمشكلة نجد أنفسنا نفكر فيها كثيرا، وغالبا لا نصل إلى حل، لماذا ؟ لأننا من كثرة التفكير فى المشكلة نعيش داخل المشكلة ونصبح جزءا منها، وبالتالى لكى نحل هذه المشكلة لابد أن نفكر فى المشكلة بعقلية مختلفة غير العقلية التى أحدثت المشكلة. وبعبارة أخرى لابد من النظر إلى المشكلة من بعيد حتى نراها واضحة ثم نقترب منها تدريجيا لمعرفة تفاصيلها لوضح الحلول المقترحة لها.
وهناك أشكال مختلفة للمشكلات، ولتوضيحها تخيل أننا نبحر عبر سفينة، فعندما تكون وسط المياه وترى جزيرة أو جزءا يابسا، هنا هذه المشكلات البارزة، ويعتبر هذا من النوع الأقل خطورة لأنها واضحة للعيان، ولكن أثناء السير بالسفينة تواجه بجبل جليدى ، هذا يعبر عن مشكلة خطرة لماذا؟ لأن الجبل الجليدى يظهر منه جزء صغير فقط ولكن الباقى تحت سطح الماء فإذا لم تدرك هذا فسوف تصطدم به، هذا النوع من المشكلات يسمى المشكلات الظاهرة، ومع استمرار السير فى البحر قد يكون الطريق أمام السفينة واضحا وخاليا من أى عوائق ولكن فجأة يحدث الارتطام، لماذا؟ لأن هناك صخورا وشعابا مرجانية فى طريق السفينة ليست ظاهرة، وهذه أخطر المشكلات لأنها كامن ، وبالتالى عدم الانتباه لها يؤدى إلى عواقب وخيمة. وبالتالى يجب صياغة المشكلة بدقة، لأن ذلك يؤثر فى اختيار الحلول المطروحة ولأن انعدام الدقة فى صياغة المشكلة يؤدى إلى استمرار المشكلة بعد تنفيذ الحل.
ومن هنا يتضح لنا أن هناك فرقا كبيرا بين التركيز فى المشكلة والتركيز على حل المشكلة، ولتوضيح هذا الفرق نطرح هذه القصة: فى أحد مصانع الصابون الضخمة فى اليابان واجهتهم مشكلة كبيرة، وهى مشكلة الصناديق الفارغة التى لم تعبأ بالصابون نظراً للخطأ فى التعليب، فماذا يفعلون لكشف الصناديق الفارغة من الصناديق المعبأة.
قام المسئولون عن المصنع بصناعة جهاز يعمل بالأشعة السينية، مخصص للكشف عن الصابون بداخل الصناديق ووضعوه أمام خط خروج الصناديق بقسم التسليم وتعيين عمال جدد ليقوموا بإبعاد الصناديق الفارغة التى يحددها الجهاز ، أما الحل البديل لنفس المشكلة فى مصنع آخر أصغر من السابق عندما واجهتهم نفس المشكلة، فإنهم أتوا بمروحة إليكترونية ، وضبطوا قوتها بما يناسب وزن الصندوق الفارغ، وتم توجيهها إلى خط خروج الصناديق بقسم التسليم، بحيث إن الصندوق الفارغ سوف يسقط من تلقاء نفسه، بفعل اندفاع الهواء.
القضية هنا أن الحل دائما أمامنا ولكننا من كثرة التركيز فى المشكلة ، وتضخيمها ، تصبح الحلول القريبة بعيدة جدا بل أحيانا لا نراها، ولكن لو فكرنا لحظة واحدة بموضوعية فسنجد الحل داخل المشكلة نفسها.